نعم ، لو لا جريان أصالة الصحّة في السابقة ، لم يكن يشرع له الدخول في اللاحقة ، لا لكونه من آثار العلم باختلال أحد شرطيها ، بل للشكّ في الخروج عن عهدة السابقة المأمور بالخروج عن عهدتها قبل اللاحقة.
إن قلت : ما الفرق بين المقام وبين الفرض السابق ـ أعني ما لو تجدّد الشكّ في الأثناء وأدّى الاجتهاد الثاني إلى خلاف الأوّل ـ حيث التزمت هناك بوجوب الاستئناف دون المقام؟
قلت : الفارق بين المقامين هو كون الصلاة الواحدة مجموعها عملا واحدا مرتبطا بعض أجزائه ببعض مشروطا صحّة كلّ جزء منها بانضمامه إلى ما سبقه ولحقه من الأجزاء ، جامعة للشرائط المعتبرة فيها ، فلو توجّه في أثناء الصلاة إلى الجهة التي أدّى اجتهاده الثاني إلى كونها قبلة ، حصل له علم تفصيليّ ببطلان الأجزاء السابقة إمّا لوقوعها في حدّ ذاتها إلى دبر القبلة ، أو لطروّ البطلان عليها على تقدير انعقادها صحيحة بواسطة الاستدبار ، كما أنّه لو أتى ببقيّة الأجزاء إلى الجهة التي أدّى إليها اجتهاده الثاني ، يعلم تفصيلا بفسادها وعدم صلاحيّتها لأن تصير جزءا من صلاة صحيحة ؛ لدوران أمرها بين وقوعها إلى دبر القبلة أو مسبوقة بأجزاء كذلك ، فهي فاسدة على كلّ تقدير ؛ حيث إنّ صحّتها مشروطة بكون المصلّي مستقبلا للقبلة ـ ولو فيما بين المشرق والمغرب ـ من أوّل صلاته ، وهو يعلم بأنّه لم يكن كذلك.
ولا يجدي إجراء أصالة الصحّة في الأجزاء السابقة ـ على تقدير تسليم جريانها في مثل المقام الذي طرأ الشكّ في الأثناء ـ في إلغاء هذا العلم الذي أثره