أنّ جلّ هذه الأخبار لو لا كلّها لا يخلو عن نوع من التقيّة ، كما يؤيّد ذلك ما يظهر من بعض الأخبار المتقدّمة من كون المسألة ممّا يشتدّ فيه التقيّة.
ولا ينافي ذلك مخالفة التفاصيل ـ التي تضمّنتها الروايات ـ للعامّة حيث حكي عنهم القول بالجواز مطلقا (١) ؛ إذ قد لا تقتضي المصلحة إلّا التقيّة عنهم في بعض الموارد دون بعض ، وهذا ممّا يختلف بحسب ما تقتضيه مصلحة الوقت من حيث ميل حكّامهم وقضاتهم وغير ذلك من المناسبات ، فيشكل على هذا رفع اليد بمثل هذه الروايات عن ظاهر موثّقة (٢) ابن بكير ، التي كادت تكون صريحة في العموم ، ولا يتطرّق فيها شائبة تقيّة.
(و) لذا قد يقوى في النظر ما (قيل) كما عن الشيخ في الخلاف وكتاب الأطعمة من النهاية ، وابن البرّاج والحلّي (٣) وغيرهم من أنّه (لا تجوز. و) لكن مع ذلك (الأوّل) أي القول بالجواز (أظهر) فإنّ حمل هذه الأخبار بأسرها على التقيّة ـ مع اشتمال كثير منها على التفاصيل المنافية للتقيّة ـ في غاية البعد ، خصوصا في رواية بشير ، التي وقع فيها السؤال عن الصلاة في الفنك والفراء والسنجاب والسمّور والحواصل في غير حال التقيّة ، فأجابه الإمام عليهالسلام بقوله : «صلّ في السنجاب والحواصل الخوارزميّة ، ولا تصلّ في الثعالب ولا
__________________
(١) حكاه عنهم الشيخ الطوسي في الخلاف ١ : ٥١١ ، المسألة ٢٥٦ ، وكذا البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٧٠.
(٢) تقدّم تخريجها في ص ٢٠٠ ، الهامش (٢).
(٣) الخلاف ١ : ٥١١ ، المسألة ٢٥٦ ، النهاية : ٥٨٦ ـ ٥٨٧ ، أواخر كتاب الصيد والذبائح ، المهذّب ١ : ٧٤ ـ ٧٥ ، و ٢ : ٤٤٢ ، السرائر ١ : ٢٦٢ ، والحاكي عنهم هو البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٦٨.