ولو أغمضت النظر عن العلائم الآتية التي بيّنها الأصحاب وأردت تشخيص جهتها كجهة غيرها من البلاد النائية ، لأذعنت بصدق ما ادّعيناه.
وممّا يؤيّده أيضا بل يشهد له : أنّ العلائم الآتية التي بيّنها الأصحاب وعوّلوا عليها في فتاويهم من غير نكير لا يشخّص بها إلّا سمتها على سبيل الإجمال ، فإنّ أوضحها وأضبطها ـ التي تطابق عليها النصّ والفتوى ـ هو الجدي الذي ورد الأمر بوضعه على قفاك في خبر (١) محمّد بن مسلم ، وفي مرسلة الصدوق عن أبي عبد الله عليهالسلام في جواب من سأله عن أنّه يكون في السفر ولا يهتدي إلى القبلة في الليل : «اجعله على يمينك ، وإذا كنت في طريق الحجّ [فاجعله بين كتفيك] (٢)» (٣) ومن الواضح أنّه لا يميّز بذلك إلّا جهتها على سبيل الإجمال ، فإنّ غاية ما يمكن ادّعاؤه إنّما هو تنزيل الروايتين على البلاد المناسبة لهما.
وهذا ـ مع ما فيه من البعد بالنسبة إلى الخبر الأوّل الذي لا يناسب بلد المتكلّم والمخاطب لولا البناء على التوسعة وإرادة السمت ـ لا يجدي في إحراز المحاذاة الحسّيّة ؛ فإنّ الجدي يدور حول المركز بحيث يختلف ما يحاذيه اختلافا بيّنا ، ولذا جعل بعض المدقّقين العبرة بحال ارتفاعه أو انخفاضه كي يكون على
__________________
(١) تقدّم تخريجه في ص ٢٧ ، الهامش (٣).
(٢) بدل ما بين المعقوفين في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «على قفاك». والمثبت من المصدر وكما يأتي في ص ٥٥.
(٣) الفقيه ١ : ١٨١ / ٨٦٠ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب القبلة ، ح ٢.