أشرنا إليه سابقا من قضاء الضرورة بعدم ابتناء أمر القبلة على القواعد الرياضيّة ، وأنّ المعوّل عليه في تشخيصها هي الطرق المتعارفة عند العرف والعقلاء في تشخيص سمت سائر البلاد ، ومن الواضح أنّ استمرار عمل أهل البلد من أوضح الطرق التي يعوّل عليها العرف في تشخيص القبلة ، ولذا استمرّ سيرة المسلمين في جميع الأعصار والأمصار على التعويل عليها ، وقرّرهم العلماء على ذلك ، وصرّحوا بجوازه من غير نقل خلاف فيه ، بل دعوى الإجماع عليه ، فلا ينبغي الارتياب في أنّ قبلة البلد أمارة معتبرة لتشخيص القبلة ، ولذا صرّح غير واحد من الأصحاب ـ على ما في الجواهر ، بل لم يعرف خلافا بينهم (١) ـ بأنّه لا يجوز العمل على الاجتهاد فيها جهة. وعن الذكرى وجامع المقاصد القطع بذلك (٢).
فلو أدّى ظنّه الاجتهادي ـ الحاصل من القواعد الرياضيّة وشبهها ـ إلى خلافها ، لا يعتني به في مقابل هذه الأمارة التي هي بمنزلة العلم.
نعم ، لو حصل له القطع بذلك من تلك القواعد ، عمل بموجبه ؛ إذ لا عبرة بأمارة علم مخالفتها للواقع ، كما هو واضح.
فما عن المبسوط من أنّه إذا دخل غريب إلى بلد ، جاز أن يصلّي إلى قبلة البلد إذا غلب في ظنّه صحّتها ، فإذا غلب على ظنّه أنّها غير صحيحة ، وجب أن يجتهد ويرجع إلى الأمارات الدالّة على القبلة (٣). انتهى ، وعن المهذّب (٤) نحوه ،
__________________
(١) جواهر الكلام ٧ : ٣٩٤.
(٢) الذكرى ٣ : ١٦٨ ، جامع المقاصد ٢ : ٧٢ ، وحكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ٧ : ٣٩٤.
(٣) المبسوط ١ : ٧٩ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١١٩ ، وصاحب الجواهر فيها ٧ : ٣٩٤.
(٤) المهذّب ١ : ٨٦ ، وكما في جواهر الكلام ٧ : ٣٩٤ ، وحكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ١١٩.