لا والثّاني مسبّب ، وانتفاء السّبب لا يدلّ على انتفاء المسبّب ، لجواز أن يكون للشّيء أسباب متعدّدة ، بل الأمر بالعكس (١) لأنّ انتفاء المسبّب يدلّ على انتفاء جميع أسبابه ، فهي لامتناع الأوّل لامتناع الثّاني (٢) ألا ترى أنّ قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(١) (٣)
______________________________________________________
الأوّل ، أعني السّبب لامتناع الثّاني ، أعني المسبّب.
(١) أي إذا انتفى المسبّب انتفى السّبب ، يعني انتفاء المسبّب يستلزم انتفاء جميع الأسباب ، فتكون لامتناع الأوّل لامتناع الثّاني ، عكس ما ذهب إليه الجمهور.
نعم إنّهم قد ذكروا أنّه إذا كانت لشيء واحد أسباب متعدّدة كان السّبب في الحقيقة واحدا لا بعينه ، لئلّا يلزم تخلّف المعلول عن العلّة ، أو توارد العلل على معلول واحد.
(٢) أي من انتفاء المسبّب نستكشف انتفاء جميع علله التامّة ، إن كان له أسباب مختلفة ، وانتفاء علّته التامّة إن كان له سبب واحد.
(٣) هذه الآية دليل على توحيده سبحانه ، والمعنى أنّه لا يجوز أن يكون معه إله سواه ، إذ لو كان فيهما ، أي السّماء والأرض ، آلهة سوى الله لفسدتا ، وما استقامتا ، وفسد من فيهما ، ولم يستقم أمرهم ، وهذا هو دليل التّمانع الّذي بنى عليه المتكلّمون مسألة التّوحيد.
والشّاهد فيه قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ) حيث استعمل فيه لو ، لتعليق امتناع مضمون الشّرط بامتناع مضمون الجزاء.
تقريره أنّه لو كان مع الله سبحانه إله آخر لكانا قديمين ، والقدم من أخصّ الصّفات ، فالاشتراك فيه يوجب التّماثل ، فيجب أن يكونا عالمين قادرين حيّين ، ومن حقّ كلّ قادرين أن يصحّ كون أحدهما مريدا لضدّ ما يريده الآخر ، من إماتة وإحياء ، أو تحريك وتسكين ، وإفقار وإغناء ، ونحو ذلك ، فإذا فرضنا ذلك ، فلا يخلو إمّا أن يحصل مرادهما ، وذلك محال ، وإمّا أن لا يحصل مرادهما ، وهو باطل ، لكونه خلاف الفرض ، وبعبارة أخرى هذا الاحتمال ينتقض بكونهما قادرين ، وإمّا أن يقع مراد أحدهما دون الآخر ، فيلزم التّرجيح من غير مرجّح ، فإذا لا يجوز أن يكون الإله إلّا واحدا.
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢٢.