إنّما سيق ليستدلّ بامتناع الفساد على امتناع تعدّد الآلهة (١) ، دون العكس (٢) ، واستحسن المتأخّرون رأي ابن الحاجب ، حتّى كادوا أن يجمعوا على أنّها (٣) لامتناع الأوّل لامتناع الثّاني ، إمّا لما ذكره (٤) ، وإمّا لأنّ الأوّل ملزوم (٥) والثّاني لازم ، وانتفاء اللّازم يوجب انتفاء الملزوم من غير عكس (٦) ،
______________________________________________________
(١) حيث إنّ المعلوم هو امتناع الفساد لكونه مشاهدا ، والمجهول هو تعدّد الآلهة ، ولا ريب أنّه يستدلّ بالمعلوم على المجهول لا العكس.
(٢) إذ لا يلزم من انتفاء تعدّد الآلهة انتفاء الفساد ، لجواز أن يفعله الله بسبب آخر ، فانتفاء الأوّل إنّما جاء من انتفاء الثّاني لا العكس كما هو قضيّة كلام الجمهور.
(٣) أي كلمة لو.
(٤) أي لما ذكره ابن الحاجب من الدّليل ، وهو أنّ الأوّل سبب ...
(٥) وهذا التّعليل علّل به الرّضي وجماعة ، وإنّما عدلوا بهذا التّعليل عمّا قال به ابن الحاجب من التّعليل ، أعني قوله : «بأنّ الأوّل سبب ...» ، لأنّ تعليل ابن الحاجب قاصر وليس كلّيّا ، إمّا لجواز أن يكون اللّازم أعمّ ، كما في قولك : لو كانت الشّمس طالعة كان الضّوء موجودا ، فإنّ أسباب الضّوء متعدّدة ، فليست مقصورة على الشّمس.
وإمّا لما قيل : من أنّ الشّرط النّحويّ عندهم أعمّ من أن يكون سببا ، نحو : لو كانت الشّمس طالعة كان النّهار موجودا ، أو شرطا نحو : لو كان لي مال لحججت ، فإنّ وجود المال ليس سببا للحجّ ، بل شرط لكن كلّ من طلوع الشّمس ووجود المال ملزوم لوجود النّهار والحجّ ، وكيف كان فيصدق أنّ امتناع الأوّل ، أي الملزوم ، لامتناع الثّاني ، أي اللّازم ، لأنّ انتفاء اللّازم يستلزم انتفاء الملزوم ، ولو كان اللّازم أعمّ من الملزوم ، فلهذا عدلوا إلى التّعبير باللّازم والملزوم.
(٦) أي لا يوجب انتفاء الملزوم انتفاء اللّازم فيما إذا كان اللّازم أعمّ ، وكيف كان فما صنعه ابن الحاجب من تخصيص الشّرط النّحوي بالسّبب لا يخلو عن إشكال ، إلّا أن يقال بأنّ ابن الحاجب لم يحصر الشّرط في السّبب ، بل الشّرط النّحوي عنده أعمّ.
نعم ظاهر عبارته وإن كان هو الحصر والاختصاص ، إلّا أنّ هذا الظّاهر ليس مراده ، فإذا لا يرد عليه ما ذكره الرّضي رحمهالله ، وإنّما هو مجرّد مناقشة في ظاهر عبارته ، ومثل هذه المناقشة لا تكون من دأب المحقّقين ، هذا تمام الكلام في اعتراض ابن الحاجب والرّضي وغيرهما على المشهور.