إلى أنّ علّة العلم بانتفاء الجزاء ماهي ، ألا ترى (١) أنّ قولهم : لو لا لامتناع الثّاني لوجود الأوّل نحو : لو لا علي لهلك عمر ، معناه أنّ وجود علي سبب لعدم هلاك عمر ، لا أنّ وجوده دليل على أنّ عمر لم يهلك ، ولهذا (٢) صحّ مثل قولنا : لو جئتني لأكرمتك لكنّك لم تجئ ، أعني عدم الإكرام بسبب عدم المجيء. قال الحماسي (٣) :
______________________________________________________
(١) هذا تنظير أتى به توضيحا للمقام ، أي هذا الكلام وإن كان من غير ما نحن فيه ، إلّا أنّه أتى به توضيحا لما نحن فيه ، يعني أنّ قول المعربين لو لا لامتناع الثّاني لوجود الأوّل ، أي للدّلالة على أنّ علّة امتناع الثّاني في الخارج وجود الأوّل ، فينبغي أن يكون حكم لو حكم لولا.
والسّرّ في كون لو لا لامتناع الثّاني لوجود الأوّل أنّ لو للنّفي ، فلمّا زيدت عليها لا النّافية تصبح نافية للنّفي ، ونفي النّفي إثبات ، فتكون لامتناع الثّاني لوجود الأوّل ، كما فيما إذا كان الشّرط نفيا والجزاء إثباتا نحو قول عمر في مواطن كثيرة «لولا علي لهلك عمر ، معناه أنّ وجود علي عليهالسلام سبب» وعلّة «لعدم هلاك عمر ، لا أنّ وجوده دليل على أنّ عمر لم يهلك» ، وذلك لجواز وقوع هلاك عمر ، مع وجود علي عليهالسلام كما هو كذلك واقعا ، ولأنّ عدم هلاك عمر معلوم للمخاطب المتلقّي هذا الكلام من عمر ، كما أنّ وجود علي عليهالسلام أيضا كذلك.
والبديهة تحكم بأنّه لا يستدلّ بمعلوم على معلوم ، إذ المعلوم لا يستدلّ عليه ، لأنّه تحصيل الحاصل وهو محال.
(٢) أي لكون معنى لو الدّلالة على أنّ انتفاء الثّاني في الخارج إنّما هو بسبب انتفاء الأوّل لا الاستدلال بامتناع الأوّل على امتناع الثّاني ، كما فهم ابن الحاجب «صحّ مثل قولنا ...» إذ لو كانت للاستدلال لما صحّ ذلك القول ، لما فيه من استثناء نقيض المقدّم ، وهو لا ينتج شيئا كما نصّ عليه علماء المنطق ، لجواز أن يكون اللّازم أعمّ ، فتعيّن أن يكون ذلك الاستثناء إشارة إلى أنّ علّة انتفاء مضمون الجزاء في الخارج انتفاء مضمون الشّرط.
(٣) الحماسيّ نسبة إلى الحماسة ، وهي في الأصل الشّجاعة ، سمّي بها كتاب أبي تمّام الّذي جمع فيه أشعار البلغاء المتعلّقة بالشّجاعة ، فالبيت الحماسيّ منسوب إلى الحماسة ، والمراد بها هنا الكتاب المشهور المنسوب إلى أبي تمّام الطّائي ، جمع فيه أشعار البلغاء الّذين يستشهد بكلامهم ، فإذا قيل : هذا البيت حماسي ، يراد أنّه مذكور في ذلك الكتاب ، وإذا قيل : «قال