يعني أنّ العدول إلى المضارع في نحو : (وَلَوْ تَرى) إمّا لما ذكر (١) وإمّا لاستحضار صورة رؤية الكافرين موقوفين على النّار (٢) ، لأنّ المضارع ممّا يدلّ على الحال الحاضر الّذي من شأنه أن يشاهد ، كأنّه (٣) يستحضر بلفظ المضارع تلك الصّورة ليشاهدها (٤) السّامعون (٥) ولا يفعل ذلك إلّا في أمر يهتمّ بمشاهدته لغرابته أو فظاعته أو نحو ذلك (٦) [كما في قوله تعالى : (فَتُثِيرُ سَحاباً)(١) (٧)]
______________________________________________________
لأنّا نقول : إنّ المصحّح لذلك هو الاستحضار ، لأنّ ما يجيء على خلاف الأصل لا بدّ فيه من نكتة ، والاستحضار في المقام نكتة ، كيف لو لم يكن الاستحضار مصحّحا لما أمكن التّصحيح بتنزيل الحالة المستقبلة منزلة الحالة الماضية ، إذ يهدم أساسر هذا التّنزيل بعد الإقدام على التّنزيل الثّاني ، أعني تنزيل الماضي التّأويلي منزلة الأمر الحالي للاستحضار ، فما ذكره الشّارح في محلّه ولا ينافي ما ذكره الرّضي رحمهالله من أنّه لم يثبت في كلامهم حكاية الحالة المستقبلة كما ثبتت حكاية الحالة الماضية ، وذلك لأنّ الاستحضار أثر التّنزيل والحكاية ولا يمكن انفكاكه عنهما ، ودعوى أنّ الاستحضار إنّما هو فيما لم يقع لا دليل عليها.
(١) أي تنزيل المضارع منزلة الماضي.
(٢) أي قائلين يا ليتنا نردّ ولا نكذب بآيات ربّنا.
(٣) أي الله تعالى.
(٤) أي الصّورة ، وحاصل الكلام إنّ المضارع في هذه الأمثلة على حقيقته لأنّ مضمونها إنّما يتحقّق في المستقبل ، لكن نزّل منزلة الماضي سعيا في قضاء حقّ ما دخلت لو وإذ وربّ وإنّما نزّل منزلته لكونه محقّق الوقوع ، أو يجعل كأنّه كان ماضيا ، ثمّ عبّر عنه بالمضارع استحضارا لصورته العجيبة تفخيما لشأنها ، وهو حكاية الحال الماضيّة.
(٥) أي السّامعون للفظ المضارع.
(٦) أي كالتّعجب ثمّ المراد بالغرابة النّدرة ، في مقابل الشّهرة.
(٧) والآية هكذا : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ). أي كما فعلنا هذا بالأرض الجدبة من إحيائها بالزّرع والنّبات ، ننشر الخلائق بعد موتهم ونحشرهم للجزاء من الثّواب والعقاب.
__________________
(١) سورة فاطر : ١٠.