[غريبا نحو : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(١) (١)] أي لو شاء الله هدايتكم لهداكم أجمعين ، فإنّه لما قيل : (وَلَوْ شاءَ) علم السّامع أنّ هناك شيئا علّقت المشيئة عليه (٢) لكنّه (٣) مبهم عنده ، فإذا جيء بجواب الشّرط (٤) صار (٥) مبيّنا له ، وهذا (٦) أوقع في النّفس
______________________________________________________
(١) هذا مثال للنّفي ، أي إنّ المفعول الّذي لم يكن تعلّق فعل المشيئة به غريبا قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ،) أي لو شاء الله هدايتكم لهداكم أجمعين.
(٢) أي تعلّقت المشيئة بذلك الشّيء ، فيكون على بمعنى الباء ، ولو قال تعلّقت المشيئة به بدل» عليه» لكان أوضح ، إذ حاصل المعنى حينئذ أنّه لما قيل : (وَلَوْ شاءَ) علم السّامع أنّ هناك شيئا تعلّقت المشيئة به تعلّق العامل بالمعمول.
فلا يرد ما ربّما يقال إنّ ظاهره أنّ فعل المشيئة معلّق على المفعول به ، مع أنّه ليس كذلك ، لأنّ الإيراد مبنيّ على أن لا تكون على بمعنى الباء ،» وعلّقت» بمعنى تعلّقت ، وقد عرفت أنّ على في قوله : «عليه» بمعنى الباء ، وقوله : «علّقت» بمعنى تعلّقت ، فالمعنى ما ذكرناه ، أعني تعلّقت المشيئة به تعلّق العامل بالمعمول.
(٣) أي الشّيء مبهم عند السّامع.
(٤) وهو في قوله تعالى : (لَهَداكُمْ).
(٥) أي صار ذلك الشّيء وهو المفعول مبيّنا بفتح الياء اسم مفعول خبر لصار ، ويجوز أن يكون اسم صار ضميرا عائدا إلى الجواب ، وحينئذ يكون مبيّنا بكسر الياء اسم فاعل ، فالمعنى على الأوّل فإذا جيء بجواب الشّرط صار ذلك الشّيء مبيّنا وواضحا للسّامع. وعلى الثّاني فإذا جيء بجواب الشّرط صار جواب الشّرط مبيّنا لذلك الشّيء.
وكيف كان فالحاصل إنّ ذلك المفعول دلّ عليه كلّ من الشّرط والجواب ، إلّا أنّ جهة الدلالة مختلفة ، حيث إنّ الشّرط دلّ عليه إجمالا ، والجواب دلّ عليه تفصيلا.
(٦) أي البيان بعد الإبهام» أوقع في النّفس» وأوكد لما فيه من حصول المطلوب بعد الطّلب والتّعب ، ومن البديهي أنّ الحاصل بعد الطّلب أعزّ من المنساق بلا تعب.
وبعبارة أخرى إنّ ذكر الشّيء مرّتين مبهما مرّة ، ومبينا مرّة أخرى أوكد وأوقع في النّفس ، أي الذّهن من ذكره مرّة واحدة ولو مبيّنا.
__________________
(١) سورة النحل : ٩.