يأبى هذا المعنى عند التّأمّل الصّادق ، لأنّ (١) القدرة على بكاء التّفكّر لا تتوقّف على أن لا يبقى فيه غير التّفكّر ، فافهم (٢).
______________________________________________________
التّرتّب ، فإنّ خروج التّفكّر من العين ، مع أنّ المطلوب كان خروج الدّمع يتوقّف على عدم بقاء الشّوق ومادّة الدّمع.
(١) تعليل لقوله : «يأبى هذا المعنى» ، أي لأنّ هذا المعنى يوجب توقّف القدرة على بكاء التّفكّر على أن لا يبقى فيه غير التّفكّر ، وهذا التّوقف منتف ، بل المتوقّف على عدم بقاء غير التّفكّر ، هو عدم القدرة على البكاء الحقيقي ، لا القدرة على البكاء التّفكّري ، بل هذه القدرة ثابتة عند بقاء غير التّفكّر أيضا.
والحاصل إنّ الكلام في مفعول» لو شئت» لا في مفعول» أبكي» ، والمعنى لو شئت أن أبكي دمعا بكيت تفكّرا ، لا لو شئت أن أبكي تفكّرا بكيت تفكّرا ، فيكون هذا البيت من قبيل ما ذكر مفعول المشيئة ، لعدم التّفسير والبيان لا لغرابة التّعلّق.
(٢) لعلّه أشار إلى بطلان ما ذهب إليه صدر الأفاضل من جهة أخرى ، لأنّ لازم ذلك هو الإخبار عن بكاء التّفكّر عند إرادة بكاء التّفكّر ، وليس ذلك إلا من قبيل توضيح الواضحات ، أو إشارة إلى أنّ الفاء لا يقتضي إلا ترتّب مدخوله على ما قبله ، ومسببّيته له ، لا توقّفه بحيث لا يوجد بدونه ، لجواز تعدّد الأسباب لشيء واحد.
فإذا لا وجه للاعتراض على صاحب ضرام السّقط بأنّ كون المعنى لو شئت أن أبكي تفكرا بكيته ، ينافي التّرتّب لعدم توقّفه على عدم بقاء الشّوق غير التّفكّر ، وذلك لأنّه في صحّته كون عدم البقاء المذكور سببا له ، وإن كان له أسباب أخر أيضا كالتّحفظ من التّهلّك بالبكاء الحقيقيّ ، وتوطين النّفس بالصّبر ، ونحو ذلك ، لما يدعو الإنسان إلى الاحتراز عن البكاء الحقيقيّ ، والاجتزاء بالبكاء التّفكّري ، نعم ، كون المراد بالبكاء الأوّل البكاء الحقيقي ، أدخل في المبالغة لاشتماله على تخلّف الإرادة عن المراد فإرادته متعيّن للبليغ ، حيث إنّ ما هو الحسن طبعا واجب بالقياس إليه.