أدافع عن أحسابهم أنا ، على أن يكون أنا تأكيدا وليست (١) ما موصولة اسم إنّ وأنا خبرها إذ لا ضرورة في العدول عن لفظ من إلى لفظ ما.
______________________________________________________
وهو إلّا ممنوع ، إذ لا نسلّم أنّ ذلك الفصل ، لتقدير فاصل ، وما المانع من أن يكون الفصل للضّرورة ، لأنّه لو قيل : وإنّما أدافع عن أحسابهم أو مثلي لانكسر البيت ، فعدل إلى فعل الغيبة ، لأنّه هو الّذي يمكن معه الفصل دون فعل المتكلّم لوجوب استتار الضّمير فيه ، وحينئذ فلا يكون فصل الضّمير مع إنّما في البيت لتضمّنه معنى ما وإلّا ، فلم يتمّ الاستدلال.
وحاصل الجواب : أنّه لا ضرورة في البيت إذ له مندوحة عن ارتكاب الفصل المحوجّ لجعل الفعل غيبة ، وهو أن يؤتى بفعل المتكلّم ، ثمّ يؤتى بالضّمير لتأكيد الضّمير المستكين ، والمستتر بأن يقال : وإنّما أدافع عن أحسابهم أنا والوزن واحد ، فلو لم يكن المقصود الحصر لأتى بالتّركيب هكذا.
نعم ، هذا الجواب مبنيّ على قول ابن مالك من أنّ الضّرورة هي ما لا مندوحة ولا مفرّ عنه للشّاعر ، وأمّا على القول بأنّها ما وقع في الشّعر مطلقا كان للشّاعر عنه مندوحة أم لا لم يتمّ هذا الجواب.
(١) جواب عن سؤال مقدّر تقريره : إنّ الاستشهاد بالبيت على تضمّن إنّما معنى ما وإلّا بالتّقريب المذكور لا يتمّ إذ في المقام وجه آخر يوجب فصل الضّمير ، والقصر من غير تقدير كون إنّما بمعنى ما وإلّا ، وهو أن تجعل ما موصولة اسم إنّ ، وأنا خبرها ، وجملة يدافع عن أحسابهم صلتها ، أي ما ، والمعنى حينئذ إنّ الّذي يدافع عن أحسابهم أنا كما تقول : إنّ الّذي أكرم زيدا أنا ، فيفيد الكلام الحصر بتعريف المسند إليه بالموصوليّة ، كما في قراءة إنما حرم عليكم الميتة بالرّفع ، ويكون فصل الضّمير لكونه خبرا والعامل فيه معنويّ ، وليس مرفوعا بالفعل حتّى يكون مفصولا عنه.
وحاصل الجواب :
إنّ المقام مقام افتخار ، فلا يناسبه التّعبير بما الموصولة الّتي هي لغير العاقل مع إمكان التّعبير بمن واستقامة الوزن ، فلو أراد هذا المعنى لقال : وإنّ من يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ، فلا ضرورة في العدول عن لفظ من إلى لفظ ما ، وأيضا لو كانت موصولة كتبت مفصولة عن إنّ.