ليعلم (١) أنّ هذا الامتناع جار في كلّ ما يوجد فيه قرينة تدلّ على أنّ المراد إنكار الفعل الواقع في الحال ، سواء (٢) عمل ذلك المضارع في جملة حاليّة ، كقولك : أتضرب زيدا وهو أخوك أو لا؟ كقوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١) (٣) ، وكقولك : أتؤذي أباك (٤) ، وأتشتم الأمير ، فلا يصحّ وقوع هل في هذه المواضع (٥).
______________________________________________________
(١) أي ليعلم أنّ هذا الامتناع ، أي امتناع كون هل لإنكار الفعل في الحال جار في إنكار الفعل الّذي أريد به الحال.
(٢) الأوضح أن يقول : سواء كانت القرينة لفظيّة ، كما إذا عمل المضارع في جملة حاليّة كقولك : أتضرب زيدا وهو أخوك ، فإنّ قولك : وهو أخوك ، قرينة على أنّ الفعل واقع في الحال أو كانت حاليّة. كقوله تعالى ، وما ذكر بعده من المثالين ، فإنّ القرينة في الأمثلة الثّلاثة حاليّة ، وهي التّوبيخ.
(٣) ذيل الآية : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) الخطاب لليهود ، والنّصارى وقيل : إنّ الآية وردت في ذمّ المشركين الّذين كانوا يبدون سوآتهم في طوافهم ، فكان يطوف الرّجال والنّساء عراة ، يقولون : نطوف كما ولدتنا أمّهاتنا ، ولا نطوف في الثّياب الّتي ارتكبنا فيها الذّنوب ، وإذا نهوا عنها قالوا وجدنا عليها آباءنا ، وإذا قيل ممّن أخذها آباؤكم ، قالوا : الله أمرنا بها ، فردّ الله عليهم بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ،) ثمّ ردّهم بوجه آخر ، وهو قوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي تفترون وتكذبون عليه.
والشّاهد في الآية : مجيء الهمزة لإنكار الفعل الواقع في الحال ، ولا يصحّ مجيء هل ، لأنّها تخلص المضارع بالاستقبال ، فينافي الحال والقرينة على أنّ الفعل للحال ، وهو كون الآية مسوقة للذّمّ والتّوبيخ ، إذ لا وجه لذمّ أحد على ما لا يفعله بعد.
(٤) والقرينة فيه ، وفي مثال شتم الأمير هي كونه مسوقا للذّمّ والتّوبيخ ، وهو إنّما على الفعل الّذي أتى به لا على ما سيأتي به.
(٥) أي المواضع الّتي دلّت فيها القرينة على إنكار الفعل الواقع في الحال ، وإنّما لم يصحّ وقوع هل فيها ، لأنّ هل للاستقبال المنافي لحصول الفعل الحالي.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٢٨.