الحكيم (١) ، فقوله (٢) : هذا إشارة إلى حكم سابق غير محسوس ، وهو كون العاقل محروما ، والجاهل مرزوقا ، فكان القياس فيه (٣) الإضمار ، فعدل إلى اسم الإشارة لكمال العناية بتمييزه (٤) ليرى السّامعين أنّ هذا الشّيء المتميّز المتعيّن هو الّذي له الحكم العجيب ، وهو جعل الأوهام حائرة ، والعالم النّحرير زنديقا. فالحكم البديع (٥) هو الّذي
______________________________________________________
كالجنون ، فالعاقل ينبغي له أن يتحلّى بالعلم ويحترز عن الجهل ويتخلّى ، لئلّا يتعطّل عقله ، وكون الجاهل كالمجنون لتباعده عن اكتساب الكمالات.
(١) قائلا بأنّه لو كان له وجود لما كان الأمر كذلك غافلا عن أنّ ما هو الموجود من النّظام التّكويني مطابق للعدل والحكمة ، وأنّ الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهو على كلّ شيء قدير.
(٢) أي قول الرّاوندي «هذا» أي لفظ هذا «إشارة إلى حكم سابق وهو» أي الحكم السّابق «كون العاقل محروما والجاهل مرزوقا».
(٣) أي في البيت السّابق هو «الإضمار» بأن يقول : هو الّذي ترك الأوهام حائرة ، وإنّما كان القياس الإضمار لتقدّم ذكر ما يصلح أن يكون مرجعا للضّمير مع كونه غير محسوس ، والإشارة حقيقة في المحسوس.
(٤) أي تمييز المسند إليه باسم الإشارة ليعلم المتكلّم «السّامعين أنّ هذا الشّيء المتميّز المتعيّن هو الّذي له الحكم العجيب وهو جعل الأوهام حائرة ...».
(٥) جواب عن سؤال مقدّر : وهو أنّ الاختصاص يقتضي المغايرة بين المسند إليه وما اختصّ به من الحكم البديع ، ولا مغايرة بينهما في المقام ، لأنّ المسند إليه المشار إليه بهذا هو كون العاقل محروما ، والجاهل مرزوقا ، وهو بنفسه الحكم البديع ، ومعنى كونه حكما بديعا أنّه ضدّ ما كان ينبغي إذ ينبغي أن يكون العاقل مرزوقا ، والجاهل محروما ، فيلزم ما ذكرنا من عدم المغايرة بين المسند إليه والحكم البديع.
وحاصل الجواب : إنّ الحكم البديع عبارة عن ترك الأوهام حائرة وتصيير العالم النّحرير زنديقا ، وهو غير المسند إليه أعني كون العاقل محروما ، والجاهل مرزوقا ، فيصحّ أن يكون الأوّل مختصّا بالثّاني لانتفاء العينيّة ، وتحقّق المغايرة.
وبعبارة واضحة : إنّ المسند إليه المعبّر عنه باسم الإشارة هو كون العاقل محروما والجاهل