الظّاهر لنا (١) [و] مثال الالتفات [من الخطاب إلى التّكلّم] قول الشّاعر (١) [طحا] أي ذهب [بك (٢) قلب في الحسان طروب (٣)] ومعنى طروب في الحسان أنّ له طربا في طلب الحسان (٤) ونشاطا في مراودتها (٥) [بعيد الشّباب] تصغير بعد للقرب (٦) ، أي حين ولّى الشّباب وكاد ينصرم (٧) [عصر] ظرف زمان مضاف إلى الجملة الفعليّة أعني قوله : [حان] أي قرب [مشيب يكلّفني ليلى] فيه التفات من الخطاب في بك إلى التّكلّم (٨) ومقتضى الظّاهر يكلّفك وفاعل يكلّفني ضمير القلب ، وليلى مفعوله الثّاني ،
______________________________________________________
(١) لأنّه عبارة عن ضمير المتكلّم في (أَعْطَيْناكَ).
(٢) الباء للتّعدية على حدّ ذهبت بزيد ، أي أذهبته «طحا بك» خطاب للنّفس أو لشخصه وذاته لا لنفسه ، ومقتضى الظّاهر طحابي ، ففيه التفات عند السّكّاكي لا عند الجمهور.
(٣) صفة للقلب ، والطّرب خفّة تعتري الإنسان لشدّة سرور أو حزن ، قوله : «في الحسان» متعلّق بقوله : «طروب» أي طروب في طلب الحسان ، والمراد من «الحسان» نساء حسان الصّور ، وحينئذ فتقديم المعمول لإفادة الحصر.
(٤) أي في طلب وصالهنّ.
(٥) أي مطالبتها بالوصال ، فقوله : «نشاطا» تفسير لقوله : «طربا».
وحاصل المعنى : أذهبني وأتلفني قلب موصوف بأنّ له طربا ونشاطا في طلب وصال الحسان دون غيرهنّ ، والحسان جمع حسناء أو حسنى.
(٦) أي للدّلالة على أنّ زمان إذهابه أو طرب قلبه قريب من زمان ذهاب شبابه.
(٧) أي ينقطع لأنّ الانصرام هنا بمعنى الانقطاع.
(٨) لأنّ الياء في قوله : «يكلّفني» للتّكلّم ، فالالتفات من المجرور الّذي في بك ـ في قوله : «طحا بك» ـ إلى المفعول في قوله : «يكلّفني» وقوله : «ليلى» مفعوله الثّاني بتقدير الباء ، أي يكلّفني بليلى لأنّ كلّف لا يتعدّى إلى المفعول الثّاني بنفسه بل بالباء ، يقال : كلّفت زيدا بكذا ، وقد أشار الشّارح إلى تقدير الباء ، بقوله : «والمعنى يطالبني القلب بوصل ليلى» فالتّكليف على هذا بمعنى الطّلب فالمفاعلة في قوله : «يطالبني القلب» على غير بابها.
والحاصل إنّ في قول الشّاعر التفات من الخطاب إلى التّكلّم ، لأنّ الياء في قوله : «يكلّفني» للتّكلّم.
__________________
(١) هو علقمة بن عبيدة العجلى من قصيدة يمدح بها الحارث بن جبلة الغسّانى.