فالمسند (١) المحذوف هنا فعل وفيما سبق اسم أو جملة [وقوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) (٢) يحتمل الأمرين (٣)] حذف المسند أو المسند إليه ، [أي] فصبر جميل [أجمل (٤) أو فأمري] صبر جميل (٥). ففي الحذف تكثير للفائدة بإمكان (٦) حمل الكلام على كلّ من المعنيين بخلاف ما لو ذكر ،
______________________________________________________
(١) هذا الكلام إشارة إلى نكتة ذكر هذا المثال الثّاني ، وهي أن المسند المحذوف في الآية مفرد ، وهو الفعل فقط. وفي المثال السّابق أي قوله : «إنّ محلّا وإنّ مرتحلا» يحتمل أن يكون المحذوف اسما ، أي إن قدّر متعلّق الجار اسم فاعل ، وأن يكون جملة إن قدّر متعلّق الجار فعل ، فلا يكون ذكر هذا المثال تكرارا.
(٢) الصّبر ، كما في الصّحاح هو حبس النّفس عن الجزع ، والجميل منه ما لا شكاية معه إلى الخلق ، وإن كان فيه شكاية إلى الخالق ، كما قال يعقوب عليهالسلام : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ)(١) ، والصّبر الغير الجميل ما فيه شكاية إلى الخلق.
(٣) أي حذف المسند أعني «أجمل» ، وحذف المسند إليه أعني «فأمري» ، فالأصل على الأوّل فصبر جميل أجمل في هذه الواقعة من صبر غير جميل ، وعلى الثّاني «فأمري» أي شأني الّذي أتّصف به «صبر جميل».
(٤) إشارة إلى حذف المسند.
(٥) إشارة إلى حذف المسند إليه. وهنا احتمال ثالث وهو أن يكون من حذفهما معا والأصل فليّ صبر وهو جميل.
(٦) قوله : «بإمكان حمل الكلام ...» بيان لتصوير تكثير الفائدة في الحذف ، لأنّ تكثير الفائدة من حيث إمكان الحمل على كلّ منهما إنّما هو في حال الحذف ، إذ ليس في حال الذّكر إلا إمكان الحمل على أحدهما معيّنا ، فحينئذ يندفع إشكال عدم الفرق بين الحذف والذّكر ، إذ المراد هو أحد الأمرين على التّقديرين غاية الأمر إنّ المراد في الذّكر أحدهما معيّنا ، وفي الحذف أحدهما مبهما ، فأين تكثير الفائدة؟ وإنّما يحصل تكثير الفائدة على تقدير الزّيادة حال الحذف على حال الذّكر ، هذا غاية ما يمكن في تقريب الإشكال.
__________________
(١) سورة يوسف : ٨٦.