ولذلك تعقّب الآية الشريفة بالقول (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ).
(الموسع) بمعنى المقتدر والثّري و (المقتر) بمعنى الفقير (من مادّة قتر وكذلك وردت بمعنى البخل أيضا) كقوله تعالى (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) (١).
وجملة (مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ) يمكن أن تشير إلى جميع ما ذكرناه ، أي أنّ الهديّة لا بدّ أن تكون بشكل لائق وبعيدة عن الإسراف والبخل.
ومناسبة لحال المهدي والمهدى إليه.
ولمّا كان لهذه الهديّة أثر كبير للقضاء على روح الانتقام وفي الحيلولة دون إصابة المرأة بعقد نفسيّة بسبب فسخ عقد الزّواج ، فإنّ الآية تعتبر هذا العمل من باب الإحسان (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (٢) أي أن يكون ممزوجا بروح الإحسان واللّطف ، ولا حاجة إلى القول بأنّ تعبير (المحسنين) لم يأت ليشير إلى أنّ الحكم المذكور ليس إلزاميّا ، بل جاء لإثارة المشاعر والعواطف الخيّرة في الناس للقيام بهذا الواجب الإلزامي.
الملاحظة الاخرى في هذه الآية هي أنّ القرآن يعبّر عن الهدية الّتي يجب أن يعطيها الرجل للمرأة باسم (متاع) فالمتاع في اللّغة هو كلّ ما يستمتع به المرء وينتفع به ، ويطلق غالبا على غير النقود ، لأنّ الأموال لا يمكن التمتّع بها مباشرة ، بل لا بدّ أوّلا من تبديلها إلى متاع ، ولهذا كان تعبير القرآن عن الهديّة بالمتاع.
ولهذا العمل أثر نفسي خاص ، فكثيرا ما يحدث أن تكون الهدية من المأكل أو الملبس ونظائرهما مهما كانت زهيدة الثمن أثر بالغ في نفوس المهدى إليهم لا يبلغه أبدا أثر الهديّة النقديّة ، لذلك نجد أنّ الروايات الواصلة إلينا عن أئمّة
__________________
(١) الاسراء : ١٠٠.
(٢) «حقّا» يمكن أن تكون صفة لـ «متاعا» ، أو حال أو مفعول مطلق لفعل محذوف ـ «متاعا» مفعول مطلق أيضا عن جملة «ومتعوهن».