(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ).
بعد الإشارة إلى الشفاعة في الآية السابقة ، وإلى أنّ هذه الشفاعة لا تكون إلّا بإذن الله ، تأتي هذه الجملة لبيان سبب ذلك فتقول إنّ الله عالم بماضي الشفعاء ومستقبلهم ، وبما خفي عليهم أيضا. لذلك فهم غير قادرين على أن يبيّنوا عن المشفوع لهم أمورا جديدة تحمل الله على إعادة النظر في أمرهم بسببها وتغيير حكمه فيهم.
وذلك لأنّ الشفيع ـ في الشفاعات العادية ـ يؤثّر في المتشفّع عنده بطريقين اثنين : فهو إمّا أن يعمد إلى ذكر صفات ومؤهّلات المشفوع له التي تدعو إلى إعادة النظر في أمره. أو أن يبيّن للمتشفّع عنده العلاقة التي تربط المشفوع بالشفيع ممّا يستدعي تغيير الحكم إكراما للشفيع.
بديهيّ أنّ كلا هذين الاسلوبين يعتمدان على كون الشفيع يعلم أشياء عن المشفوع له لا يعلمها المتشفّع عنده. أمّا إذا كان المتشفّع عنده محيطا إحاطة كاملة بكلّ شيء ممّا يتعلّق بكلّ شخص ، فلا يكون لأحد أن يشفع لأحد عنده ، وذلك لأنّ المتشفّع عنده أعلم بمن يستحقّ الشفاعة فيجيز للشفيع أن يشفع له.
كلّ ذلك في صورة أن يكون ضمير (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) يعود على الشفعاء أو المشفوع لهم ، ولكن يحتمل أيضا أن يعود الضمير لجميع الموجودات العاقلة في السّموات والأرض الواردة في جملة (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) وتعتبر تأكيدا لقدرة الله الكاملة على جميع المخلوقات وعجز الكائنات أيضا وحاجتها إليه ، لأنّ من ليس له علم بماضيه ومستقبله وغير مطّلع على غيب السّموات والأرض فإنّ قدرته محدوده جدّا،بخلاف من هو عالم ومطّلع على جميع الأشياء ، وفي جميع الأزمنة والأعصار ، في الماضي والحاضر فإنّ قدرته غير محدودة ، ولهذا السبب فكلّ عمل حتّى الشفاعة يحتاج إلى إذنه.