وبهذا الترتيب يمكن الجمع بين كلا المعنيين.
أمّا المراد من جملة (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) فإنّ للمفسّرين احتمالات متعدّدة،فبعض ذهب إلى أنّ المراد من (ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) امور الدّنيا التي تكون أمام الإنسان وبين يديه ، وجملة (وَما خَلْفَهُمْ) يراد بها امور الآخرة التي تقع خلف الإنسان،وذهب بعض آخر إلى عكس هذا التفسير.
وبعض ثالث ذهب إلى أنّها إشارة إلى أجر الإنسان أو أعماله الخيّرة أو الشّريرة أو الأمور التي يعلمها والّتي لا يعلمها.
ولكن بمراجعة آيات القرآن الكريم يستفاد أنّ هذين التعبيرين استعملا في بعض الموارد للمكان كالآية ١٧ من سورة الأعراف حيث تحدّثت عن قول الشيطان (لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ).
وتارة تأتي بمعنى القبل والبعد الزماني كالآية ٧١ من سورة آل عمران حيث تقول (وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ) فمن الواضح أنّ الآية هنا ناظرة إلى الزّمان.
أمّا في الآية التي نحن بصددها فالتعبير قد يجمع بين المكان والزمان ، أي أنّ الله يعلم ما كان في الماضي أو يكون في المستقبل وما هو أمام أنظارهم بحيث إنّهم يعلمونه ، وما هو خلفهم ومحجوب عنهم ولا يعلمون عنه شيئا ، وعلى هذا فأنّ الله محيط بكل أبعاد الزمان والمكان فكل عمل حتّى الشفاعة يجب أن تكون بإذنه.
وفي ثامن صفة مقدّسة تقول الآية (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) (١).
هذه الفقرة أيضا توكيد لما سبق من سعة علمه اللامحدود وأنّ علم الكائنات
__________________
(١) ذهب أكثر المفسّرين إلى ان كلمة «علم» هنا بمعنى المعلوم. وهذا ما يتناسب مع معنى الآية ومن هنا تبعيضية. مجمع البيان ، تفسير الكبير ، روح البيان ، والقرطبي في ذيل الآية المبحوثة.