الحكاية بصورة مجملة ثمّ نباشر بالتفسير.
الآية تشير إلى حكاية رجل سافر على حماره ومعه طعام وشراب ، فمرّ بقرية قد تهدّمت وتحوّلت إلى انقاض تتخلّلها عظام أهاليها النخرة. وإذ رأى هذا المشهد المروع قال : كيف يقدر الله على إحياء هؤلاء الأموات؟
لم يكن تساؤله بالطبع من باب الشكّ والإنكار ، بل كان من باب التعجّب ، إذ أنّ القرائن الأخرى في الآية تدلّ على أنّه كان أحد الأنبياء ، وقد تحدّث إليه الله ، كما أنّ الأحاديث تؤيّد هذا كما سيأتي.
عند ذلك أماته الله مدة مائة سنة ، ثمّ أحياه مرّة اخرى وسأله : كم تظنّ أنّك بقيت في هذه الصحراء؟ فقال وهو يحسب أنّه بقي سويعات : يوما أو أقل ، فخاطبه الله بقوله:بل بقيت هنا مائة سنة ، انظر كيف أنّ طعامك وشرابك طوال هذه المدّة لم يصبه أي تغيّر بإذن الله. ولكن لكي تؤمن بأنك قد أمضيت مائة سنة كاملة هنا انظر إلى حمارك الذي تلاشى ولم يبق منه شيء بموجب نواميس الطبيعة ، بخلاف طعامك وشرابك ، ثمّ انظر كيف إنّنا نجمع أعضاءه ونحييه مرّة اخرى. فعند ما رأى كلّ هذه الأمور أمامه قال : (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ، أي : إنني الآن على يقين بعد أن رأيت البعث بصورة مجسّمة أمامي.
ومن هذا النبيّ الذي تحدّثت عنه هذه الآية؟ ثمّة أقوال عديدة ، قال بعض : إنّه «ارميا». وقال آخرون : إنّه «الخضر». إلّا أنّ أشهر الأقوال : إنّه «العزير» ويؤيّده حديث عن الإمام الصادق عليهالسلام (١).
واختلفت الأقوال أيضا بشأن القرية المذكورة ، قال بعض : إنّها «بيت المقدس» التي دمّرها نبوخذ نصّر ، وهو احتمال بعيد.
__________________
(١) مجمع البيان : ج ١ ص ٣٧٠.