نعود إلى تفسير الآية : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).
هذه الآية ـ كما قلنا ـ تكملة للآية السابقة التي دارت حول التوحيد. هذه الآية والآيات التالية تجسّد مسألة المعاد.
«عروش» جمع عرش ، وهنا تعني السقف. و «خاوية» في الأصل بمعنى خالية،ولكنّها هنا كناية عن الخراب والدمار ، فالبيوت العامرة تكون عادة مسكونة ، أمّا الدور الخالية فإمّا أن تكون قد تهدّمت من قبل ، أو أنّها تهدّمت بسبب خلوّها من الساكنين، وعليه فإنّ قوله (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) تعني أنّ دور تلك القرية كانت كلّها خربة، فقد هوت سقوفها ثمّ انهارت الجدران عليها ، وهذا هو الخراب التام إذ أنّ الانهدام يكون عادة بسقوط السقف أوّلا ، وتبقى الجدران قائمة بعض الوقت ، ثمّ تنهار فوق السقف.
(قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها).
الظاهر أنّ أحدا لم يكن مع النبيّ في هذه الواقعة ، فهو بهذا يخاطب نفسه.
وبديهيّ أنّ القرية هنا تعني أهل القرية ، وهذا يعني أنّه كان يرى عظام أهل القرية بعينيه ، فأشار إليها وهو ينطق بتساؤله.
(فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ).
يرى أكثر المفسّرين أنّ هذه الآية تعني أنّ الله قد أمات النبيّ المذكور مدّة مائة سنة ثمّ أحياه بعد ذلك ، وهذا ما يستفاد من كلمة «أماته». إلّا أنّ صاحب تفسير المنار يحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى نوع من النوم الطويل المعروف عند بعض الحيوانات المسمّى بالسبات. حيث يغطّ الكائن الحي في نوم عميق وطويل دون أن تتوقف فيه الحياة ، كالذي حدث مثلا عند أصحاب الكهف.