وإذا كان النوم لبضع سنوات ممكنا ، فهو على رأي صاحب المنار ممكن أيضا لمائة عام وإن لم يكن اعتياديا. ويلزم في قبول الخوارق أن تكون ممكنة لا محاله عقلا (١).
ولكن ليس في هذه الآية ما يدلّ على صحّة هذا القول ، بل إن ظاهر الآية يدلّ على أنّ النبيّ قد فارق الحياة ، وبعد مائة سنة استأنف الحياة مرّة أخرى. ولا شكّ أنّ موتا وحياة كهذين هما من خوارق العادات ، وإن لم يكن مستحيلا. وعلى كلّ حال فإنّ الحوادث الخارقة للعادة في القرآن ليست منحصرة بهذه الحادثة بحيث نعمد إلى تأويلها.
نعم نستطيع في هذا المجال ذكر مسألة النوم الطويل الطبيعي أو السبات الشتوي لبعض الحيوانات التي تنام خلال أشهر الشتاء وتستيقظ عند انخفاض حدّة البرد ، أو مسألة انجماد بعض الحيوانات انجمادا طبيعيا ، أو تجميد بعض الأحياء على يد البشر لمدة طويلة دون أن تموت ، كلّ ذلك لتقريب فكرة الإماتة والإحياء مدّة عام إلى الأذهان ، ويكون ذكر هذه المسائل بهدف الخروج بالنتيجة التالية :
إنّ الله القادر على الإبقاء الأحياء مئات السنين في نوم طويل أو حالة انجماد ، ثمّ إيقاظها وإعادتها إلى حالتها الأولى لهو قادر على إحياء الموتى.
إننا بقبولنا أصل المعاد وإحياء الموتى في البعث وكذلك بقبول خوارق العادات والمعجزات على أيدي الأنبياء ليس ثمّة ما يدعونا إلى محاولة تفسير جميع آيات القرآن بسلسلة من المسائل العادية والطبيعية مخالفين بذلك ظاهر الآيات ، فهذا ليس صحيحا ولا لزوم له.
وكما قال بعض المفسّرين : كأننا نسينا أننا هنا أموات في البداية وقد أحيانا
__________________
(١) تفسير المنار والمراغي في ذيل الآية المبحوثة.