إنّ عمل كلّ إنسان انعكاس لوجوده ، وكلّما اتّسع العمل اتّسع في الواقع وجود ذلك الإنسان.
وبعبارة اخرى : أنّ القرآن لا يفصل عمل الإنسان عن وجوده ، بل يرى أنّهما مظهران مختلفان لحقيقة واحدة ، ووجهان لعملة واحدة ، لذلك فإنّ آية قابلة للتفسير من دون أن نفترض فيها حذفا وتقديرا ، فالآية إشارة إلى حقيقة أنّ شخصية الإنسان الصالح تنمو وتكبر معنويّا بأعماله الصالحة ، فمثل هؤلاء المنفقين كمثل البذور الكثيرة الثمر التي تمدّ جذورها وأغصانها إلى جميع الجهات وتفيض ببركتها على كلّ الأرجاء.
والخلاصة أنّه في كلّ مورد للتشبيه مضافا إلى وجود أداة التشبيه لا بدّ من وجود ثلاثة امور اخرى :
المشبّه ، والمشبّه به ، ووجه التشبيه ، ففي هذا المورد المشبّه هو الإنسان المنفق ، والمشبّه به هو البذور الكثيرة البركة ، ووجه التشبيه هو النموّ والرشد ، ونحن نعتقد أنّ الإنسان المنفق ينمو ويرشد معنويّا واجتماعيّا من خلال عمله ذاك ولا يحتاج إلى أيّ تقدير حينئذ.
وشبيه هذا المعنى ورد كذلك في الآية ٢٦٥ من هذه السورة ، وهناك بحث بين المفسّرين في التعبير بقوله (أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) حيث أشارت الآية إلى أنّ حبّة واحدة تصير سبعمائة حبّة أو أكثر ، وأنّ هذا التشبيه لا وجود خارجي له فهو تشبيه فرضي (لأنّ حبّة الحنطة لا تبلغ في موسم الحصاد سبعمائة حبّة أبدا) وأو أنّ المقصود هو نوع خاصّ من الحبوب (كالدخن) التي تعطي هذا القدر من الناتج ، ويلفت النظر أنّ الصحف كتبت أخيرا أنّ بعض مزارع القمح أنتجت في السنوات الممطرة سنابل طويلة يحمل بعضها نحوا من اربعمائة آلاف