يستفاد بوضوح من هذه الآية أنّ الإنفاق في سبيل الله لا يكون مقبولا عند الله تعالى إذا تبعته المنّة وما يوجب الأذى والألم للمعوزين والمحتاجين ، وعليه فإنّ من ينفق ماله في سبيل الله ولكنّه يمنّ به على من ينفق عليه ، أو ينفقه بشكل يوجب الأذى للآخرين فإنّه في الحقيقة يحبط ثوابه وأجره بعمله هذا.
إنّ ما يثير الاهتمام أكثر في هذه الآية هو أنّ القرآن لا يعتبر رأسمال الإنسان في الحياة مقتصرا على رأس المال المادّي ، بل يحسب حساب رؤوس الأموال المعنوية والاجتماعية أيضا.
إنّ من يعطي شيئا لأحد ويمنّ عليه به أو يقوم بما يثير الألم في نفس المعطي له ويجرح عواطفه فإنّه لا يكون قد أعطاه شيئا في الواقع ، لأنّه إذا كان قد أعطاه رأسمال ، فإنّه قد أخذ منه رأسمال أيضا ، بل لعلّ المنّة التي يمنّ بها عليه ونظرة التحقير التي ينظر بها إليه ذات أضرار باهضة يفوق ثمنها ما أنفقه من مال إذا لم ينل أمثال هؤلاء الأشخاص أيّ ثواب على إنفاقهم هذا فهو أمر طبيعي وعادل. وقد يصحّ القول إنّ هؤلاء في كثير من الأحوال هم المدينون لا الدائنون لأنّ كرامة الإنسان أغلى بكثير من أيّ مال وثروة.
ولاحظ في الآية إنّ كلمتي المنّ والأذى مسبوقتان ب (ثمّ) التي تفيد التراخي ، أي وجود فتره زمنية بين فعلين. فيكون معنى الآية : إنّ الذين ينفقون ، وبعد ذلك لا يمنّون على أحد ولا يؤذون أحدا يكون ثوابهم محفوظا عند الله.
ويعني هذا ضرورة الابتعاد عن المنّ والأذى لا في حالة الإنفاق فحسب ، بل عليه أن لا يمنّ عليه في أوقات تالية عن طريق تذكير المنفق عليه بالإنفاق ، وهذا دليل على الدقّة المتناهية التي يبتغيها الإسلام من الخدمات الإسلامية الخالصة.
لا بدّ من القول إنّ المنّ والأذى اللذين يحبطان قبول الإنفاق لا يختصّان بالإنفاق على الفقراء فقط ، بل تجنّبهما لازم في جميع الأعمال العامّة والاجتماعية