يرفع عن المنفق تهمة إهماله لواجبه.
أمّا إذا كان الإنفاق مستحبّا ، فإنّه يكون في الواقع أشبه بالدعاية والإعلان العملي لحثّ الناس على فعل الخير ، ومساعدة المحتاجين ، والقيام بالأعمال الخيرية الاجتماعية العامّة.
أمّا الإنفاق الخفيّ البعيد عن الأنظار فلا شكّ أنّه أبعد عن الرياء وحبّ الظهور وخلوص النيّة فيه أكثر ، خاصّة وأن مدّ يد العون إلى المحتاجين في الخفاء يحفظ لهم ماء وجههم وكرامتهم ، ولذلك تثني الآية على كلا الأسلوبين.
وذهب بعض المفسرين إلى أنّ الإخفاء يقتصر على الإنفاق المستحب ، وأمّا الإنفاق الواجب كالزكاة وغيره فيفضّل في حالة الجهر ، وليست هذه بقاعدة عامّة ، بل تختلف باختلاف حالات الإنفاق.
ففي الحالات التي يكون فيها الجانب التشجيعي أكثر ولا يصادر فيها الإخلاص فالإظهار أولى ، وفي الحالات التي يكون فيها المحتاجون من ذوي العزّة والكرامة فإن حفظ ماء وجوههم يقتضي إخفاء الإنفاق ، كما أنّه إذا خشي الرياء وعدم الإخلاص فالإخفاء أولى.
وقد جاء في بعض الأحاديث أنّ الإنفاق الواجب يفضّل فيه الإظهار ، والمستحبّ يفضّل فيه الإخفاء.
وقد نقل عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه قال : الزكاة المفروضة تخرج علانية وتدفع علانية ، وغير الزكاة إن دفعه سرّا فهو أفضل (١).
إلّا أنّ هذه الأحاديث لا تتعارض مع ما قلناه آنفا ، لأنّ أداء الواجب يكون أقلّ امتزاجا بالرياء ، فهو واجب لا بدّ أن يؤدّيه كلّ مسلم في محيط الاسلامي كالضريبة اللازمة التي يدفعها الجميع ، وعليه فإنّ إظهار الإنفاق أفضل ، أمّا الإنفاق
__________________
(١) تفسير مجمع البيان : ج ١ ص ٣٨٤ نقلا عن علي بن إبراهيم : ج ١ ص ٩٣.