الآيات السابقة ، لأنّ تعاطي الربا يزيد من الفواصل الطبقية ويركّز الثروة في أيدي فئة قليلة، ويسبّب فقر الأكثرية ، والإنفاق سبب طهارة القلوب والنفوس واستقرار المجتمع ، والربا سبب البخل والحقد والكراهية والدنس.
هذه الآيات شديدة وصريحة في منع الربا ، ولكن يبدو منها أنّ موضوع الربا قد سبق التطرّق إليه. فإذا لا حظنا تاريخ نزول هذه الآيات تتّضح لنا صحّة ذلك ، فبحسب ترتيب نزول القرآن ، السورة التي ورد فيها ذكر الربا لأول مرّة هي سورة الروم ، وهي السورة الثلاثون التي نزلت في مكّة ، ولا نجد في غيرها من السور المكّية إشارة إلى الربا.
لكن الحديث عن الربا في السورة المكّية جاء على شكل نصيحة أخلاقية (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ) (١).
أي أنّ قصيري النظر قد يرون أنّ الثروة تزداد بالربا ، ولكنّه لا يزداد عند الله.
ثمّ بعد الهجرة ، تناول القرآن الربا في ثلاث سور أخرى من السور التي نزلت في المدينة وهي بالترتيب : سورة البقرة ، وسورة آل عمران ، وسورة النساء. وعلى الرغم من أنّ سورة البقرة قد نزلت قبل سورة آل عمران ، فلا يستبعد أن تكون الآية ١٣٠ من سورة آل عمران ـ وهي التي تحرّم الربا تحريما صريحا ـ قد نزلت قبل سورة البقرة والآيات المذكورة أعلاه.
على كلّ حال ، هذه الآية وسائر الآيات التي تخصّ الربا نزلت في وقت كان فيه تعاطي الربا قد راج بشدّة في مكّة والمدينة والجزيرة العربية حتّى غدا عاملا مهمّا من عوامل الحياة الطبقية ، وسببا من أهمّ أسباب ضعف الطبقة الكادحة وطغيان الأرستقراطية ، لذلك فإنّ الحرب التي أعلنها القرآن على الربا تعتبر من
__________________
(١) الروم : ٣٩.