لأنّه يحول دون أن تظلموا الناس ودون أن يصيبكم ظلم.
إنّ تعبير (لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) وإن كان قد جاء بشأن المرابين ، ولكنّه في الحقيقة شعار إسلامي واسع وعميق ، يعني أنّ المسلمين بقدر ما يجب عليهم تجنّب الظلم ، يجب عليهم كذلك أن لا يستسلموا للظلم. وفي الحقيقة لو قلّ الذين يتحمّلون الظلم لقلّ الظالمون أيضا ، ولو أنّ المسلمين أعدّوا العدّة الكافية للدفاع عن حقوقهم لما تمكّن أحد أن يعتدي على تلك الحقوق ويظلمهم. فقبل أن نقول الظالم : لا تظلم ، علينا أن نقول المظلوم: لا تستسلم للظلم.
(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (١).
استكمالا لبيان حقّ الدائن في الحصول على رأسماله «بدون ربح» تبيّن الآية هنا حقّا من حقوق المدين إذا كان عاجزا عن الدفع ، ففضلا عن عدم جواز الضغط عليه وفرض فائدة جديدة عليه كما كانت الحال في الجاهلية ، فهو حقيق بأن يمهل مزيدا من الوقت لتسديد أصل الدين عند القدرة والاستطاعة.
إنّ القوانين الإسلامية التي جاءت لتوضيح مفهوم هذه الآية تمنع الدائن من استيلاء على دار المدين وأمتعته الضرورية اللازمة لقاء دينه ، إنّما للدائن أن يأخذ الزائد على ذلك. وهذا قانون صريح وإنساني يحمي حقوق الطبقات الفقيرة في المجتمع.
(وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) وهذه في الواقع خطوة أبعد من المسائل الحقوقية. أي أنّها مسألة أخلاقية وإنسانية تكمل البحث الحقوقي المتقدّم.
تقول الآية للدائنين أن الأفضل من كلّ ما سبق بشأن المدين العاجز عن الدفع هو
__________________
(١) يحتمل أن تكون (كان) في الجملة أعلاه تامّة حيث لا تحتاج إلى خبر أو ناقصة ويكون التقدير «إن كان هناك ذو عسرة».