وتهيّأ السفير للانطلاق نحو أرض الروم. ولكنّه قبل أن يصل القسطنطنية ، عاصمة القيصر، علم أنّ القيصر قد يمّم شطر بيت المقدس للزيارة. فاتّصل بحاكم «بصرى» الحارث بن أبي شمر وكشف له عن مهمّته. ويبدو أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان قد أجاز دفع الرسالة إلى حاكم (بصرى) ليوصلها هذا إلى القيصر.
بعد أن اطّلع الحاكم على الأمر ، استدعى عدي بن حاتم وكلّفه أن يسافر مع دحية إلى بيت المقدس ليوصل الرسالة إلى القيصر. التقى السفير قيصر في حمص.
وكانت الحاشية قبل ذلك قد أفهموا دحية أنّ عليه أن يسجد أمام القيصر ، وأن لا يرفع رأسه أبدا حتّى يأذن له. فقال دحية : لا أفعل هذا أبدا ، ولا أسجد لغير الله.
فأعجبوا بمنطقه المتين. وقال له أحد رجال البلاط : إذا لك أن تضع الرسالة تجاه منبر قيصر وتنصرف ، إنّ أحدا غير القيصر لا يمسّها. فشكره دحية على ذلك ، وترك الرسالة في ذلك المكان ، وانصرف.
فتح قيصر الرسالة ، وجلب انتباهه افتتاحها باسم الله ، وقال : أنا لم أر رسالة مثل هذه غير رسالة سليمان. ثمّ طلب مترجمه ليقرأ له الرسالة ويترجمها. احتمل قيصر أن يكون كاتب الرسالة هو النبيّ الموعود في التوراة والإنجيل. فعزم على معرفة دقائق حياة هذا النبيّ. فأمر بالبحث في الشام لعلّهم يعثرون على من يعرف شيئا عن محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم. واتّفق أن كان أبو سفيان وجمع من قريش قد قدموا إلى الشام ـ التي كانت الجناح الشرقي للروم ـ للتجارة، فاتّصل بهم رجال القيصر وأخذوهم إلى بيت المقدس ، فسألهم القيصر : أيّكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنّه نبيّ؟ فقال أبو سفيان : أنا.
ثمّ قال القيصر للقريشيين ـ على طريق ترجمانه ـ : إني سائل (أبا سفيان) عن هذا الرجل الذي يزعم أنّه نبيّ. فإن كذبني فكذّبوه. فقال أبو سفيان : وايم الله لولا مخافة أن يؤثّر عليّ الكذب لكذبت.