الأوائل ، فما إن سمعوا آيات جديدة النزول ، إلّا وظهر هذا التأثير على سلوكهم ومواقفهم وتصرفاتهم ، ونذكر من باب المثال ما نقرأه في كتب التفسير والتاريخ الإسلامي ممّا ورد في مجال هذه الآية بالذات.
١ ـ كان «أبو طلحة» أكثر أنصاري المدينة نخلا ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، فلما أنزلت (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قام أبو طلحة فقال : يا رسول الله إن الله يقول : لن تنالوا البر حتّى تنفقوا ممّا تحبون وأن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم : بخ بخ ذلك مال رابح لك وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. قال أبو طلحة : افعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه (١).
٢ ـ أضاف أبو ذر الغفاري ضيفا ، فقال للضيف : إني مشغول ، وأن لي إبلا فاخرج وآتني بخيرها ، فذهب فجاء بناقة مهزولة ، فقال أبو ذر : خنتني بهذه ، فقال:وجدت خير الإبل فحلها فذكرت يوم حاجتكم إليه ، فقال أبو ذر : إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي ، مع أن الله يقول : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٢).
٣ ـ كان لزبيدة زوجة هارون الرشيد مصحف ثمين جدّا ، قد زينت غلافه بأغلى أنواع المجوهرات والأحجار الكريمة وكانت تحبه حبا شديدا وتعتز به أكبر اعتزاز ، وفيما هي تتلو القرآن في ذلك المصحف ذات يوم وإذا بها مرت على قوله
__________________
(١) مجمع البيان وصحيح مسلم والبخاري كتاب التفسير باب ما جاء في سورة آل عمران ، ويرحاء موضع كان لأبي طلحة بالمدينة.
(٢) مجمع البيان : ج ٢ ص ٤٧٤.