٤ ـ ومن دخله كان آمنا :
لقد طلب إبراهيم عليهالسلام من ربه بعد الانتهاء من بناء الكعبة ، أن يجعل بلد مكة آمنا إذ قال (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) (١) ، فاستجاب الله له ، وجعل مكة بلدا آمنا ، ففيه أمن للنفوس والأرواح ، وفيه أمن للجموع البشرية التي تفد إليه وتستلهم المعنويات السامية منه ، وفيه أمن من جهة القوانين الدينية ، فإن الأمن في هذا البلد قد بلغ من الاهتمام به واحترامه أن منع فيه القتال منعا باتا ، وأكيدا.
وقد جعلت الكعبة بالذات مأمنا وملجأ في الإسلام لا يجوز التعرض لمن لجأ إليها أبدا، وهو أمر يشمل الحيوانات أيضا إذ يجب أن تكون في أمان من الأذى والمزاحمة إذا هي التجأت إلى هذه النقطة من الأرض.
فإذا التجأ إنسان إلى الكعبة لم يجز التعرض له حتّى لو كان قاتلا جانيا ، بيد أنّه حتّى لا تستغل حرمة هذا البيت وقدسيتها الخاصّة ، وحتّى لا تضيع حقوق المظلومين سمح الإسلام بالتضييق في المطعم والمشرب على الجناة أو القتلة اللاجئين إليه ليضطروا إلى مغادرته ثمّ ينالوا جزاءهم العادل.
* * *
وبعد أن استعرض القرآن الكريم فضائل هذا البيت وعدد مزاياه ، أمر الناس بأن يحجوا إليه ـ دون استثناء ـ وعبر عن ذلك بلفظ مشعر بأن مثل هذا الحجّ هو في الحقيقة دين لله على الناس ، فيتوجب عليهم أن يؤدوه ويفرغوا ذممهم منه إذ قال (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ).
وتعني لفظة «الحجّ» أصلا القصد ، ولهذا سميت الجادة بالمحجة (على وزن مودة) لأنها توصل سالكها إلى المقصد ، كما أن لهذا السبب نفسه سمي الدليل بـ «الحجة» لأنه يوضح المقصود.
__________________
(١) إبراهيم : ٣٥.