ولهذا قال لهم سبحانه إذا كان بعض الناس ينخدعون بوساوسكم ومؤامراتكم لغفلتهم فإن الله يعلم بأسراركم ، وخفايا أعمالكم ، وما هو بغافل عمّا تعملون ، فعلمه محيط بكم ، وعقابه الأليم ينتظركم.
وبعد أن ينتهي هذا التقريع والتنديد ، والإنذار والتهديد لمشعلي الفتن ، الصادين عن سبيل الله القويم ، المستفيدين من غفلة بعض المسلمين يتوجه سبحانه بالخطاب إلى هؤلاء المخدوعين من المسلمين ، يحذرهم من مغبة الانخداع بوساوس الأعداء ، والوقوع تحت تأثيرهم ، والسماح لعناصرهم بالتسلل إلى جماعتهم ، وترتيب الأثر على تحريكاتهم وتسويلاتهم، وأن نتيجة كلّ ذلك هو الابتعاد عن الإيمان ، والوقوع في أحضان الكفر ، إذ يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ).
أجل إن نتيجة الانصياع لمقاصد هؤلاء الأعداء هو الرجوع إلى الكفر لأن العدو يسعى في المرحلة الاولى إلى أن يشعل بينكم نيران العداوة والاقتتال ، ولكنه لن يكتفي بهذا القدر منكم ، بل سيستمر في وساوسه الخبيثة حتّى يخرجكم عن الإسلام مرّة واحدة ، ويعيدكم إلى الكفر تارة اخرى.
من هذا البيان اتضح أن المراد من الرجوع إلى الكفر ـ في الآية ـ هو «الكفر الحقيقي ، والانفصال الكامل عن الإسلام» كما ويمكن أن يكون المراد من ذلك هي تلك العداوات الجاهلية التي تعتبر ـ في حدّ ذاتها ـ شعبة من شعب الكفر ، وعلامة من علائمة ، وأثرا من آثاره ، لأن الإيمان لا يصدر منه إلّا المحبة والمودة والتآلف ، وأما الكفر فلا يصدر منه إلّا التقاتل والعداوة والتنافر.
ثمّ يتساءل ـ في عجب واستغراب ـ (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ) أي كيف يمكن أن تسلكوا سبيل الكفر ، وترجعوا كفّارا والنبيصلىاللهعليهوآلهوسلم بين ظهرانيكم ، وآيات الله البينات تقرأ على أسماعكم ، وتشع أنوار