في جميع الظروف والأحوال.
ولا شكّ أن الإنفاق في حال الرخاء فقط لا يدلّ على التغلغل الكامل للصفات الإنسانية في أعماق الروح وإنما يدلّ على ذلك إذا أقدم الإنسان على الإنفاق والبذل في مختلف الظروف وفي جميع الأحوال ، فإن ذلك ممّا يدلّ على تجذر تلك الصفة في النفوس.
يمكن أن يقال : وكيف يمكن للإنسان أن ينفق عند ما يكون فقيرا؟
والجواب واضح تمام الوضوح :
أولا : لأن الفقراء يمكنهم إنفاق ما يستطيعون عليه ، فليس للإنفاق حدّ معين لا في القلة ولا في الكثرة.
وثانيا : لأن الإنفاق لا ينحصر في بذل المال والثروة فحسب ، إذ للإنسان أن ينفق من كلّ ما وهبه الله ، ثروة كان أو علما أو جاها أو غير ذلك من المواهب الإلهية الاخرى.
وبهذا يريد الله سبحانه أن يركز روح التضحية والعطاء ، والبذل والسخاء حتّى في نفوس الفقراء والمقلين حتّى يبقوا ـ بذلك ـ في منأى عن الرذائل الأخلاقية التي تنشأ من «البخل».
إن الذين يستصغرون الإنفاقات القليلة في سبيل الله ويحتقرونها إنما يذهبون هذا المذهب ، لأنهم حسبوا لكلّ واحد منها حسابا مستقلا وخاصا ، ولو أنهم ضموا هذه الإنفاقات الجزئية بعضها إلى بعض ، ودرسوها مجتمعة لتغيرت نظرتهم هذه.
فلو أن كلّ واحد من أهل قطر من الأقطار ـ فقراء وأغنياء ـ قدم مبلغا صغيرا لمساعدة الآخرين من عباد الله ، ولتقدم الأهداف والمشاريع الاجتماعية ، لاستطاعوا أن يقوموا بأعمال ضخمة وكبيرة ، مضافا إلى ما يجنونه من هذا العمل من آثار معنوية لا ترتبط بحجم الإنفاق ، وتعود إلى المنفق في كلّ حال.