والجدير بالذكر أن القرآن استخدم للتعبير عن الردة إلى الجاهلية كلمة (انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) و «الأعقاب» جمع عقب (وزان خشن) بمعنى مؤخرة القدم ، فهو تعبير موح يصور التراجع إلى الوراء والارتداد الواقعي ، وهو أكثر إيحاء وأقوى تصويرا من لفظة الردة والرجوع والعودة ، لأنه بمعنى السير القهقري.
ثمّ إنه سبحانه يقول : (وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) يعني أن العودة إلى الكفر والوثنية تضرّكم أنتم دون الله سبحانه ، لأن أمثال هذا التراجع لا يعني سوى توقفكم في طريق الخير والسعي نحو السعادة الكاملة ، بل فقدان كلّ ما حصلتموه من العزّة والكرامة والمجد بسرعة.
ثمّ إنه لما كان هناك ـ في معركة أحد ـ أقلية استمرت على جهادها رغم الصعوبات،وانتشار الخبر المفجع عن مقتل الرسول ، كان من الطبيعي أن ينال صمودهم هذا وثباتهم التقدير اللائق ، ولهذا قال سبحانه : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) وبذلك مدح القرآن الكريم استقامتهم وصمودهم ، ووصفهم بالشاكرين لأنهم أحسنوا الاستفادة والانتفاع بالنعم في سبيل الله ، وهذا أفضل مصاديق الشكر.
إن الدرس الذي تعطيه هذه الآية في مكافحة عبادة الشخصية وتقديس الفرد هو أبلغ وأفضل درس لجميع المسلمين في جميع العصور والأزمنة ، فعليهم جميعا أن يتعلموا من القرآن أن لا يربطوا القضايا الإستراتيجية والأهداف العليا والمصيرية بالأشخاص ، بل لا بدّ أن يلتفوا حول الأسس والمبادئ الخالدة التي لا تفنى ولا تتغير ، ولا تتأثر بتغير الأشخاص أو غيابهم عن الساحة بسبب الموت أو القتل حتّى لو كان ذلك هو النبيّ الأكرم ، لكيلا تتوقف عجلة المسيرة عن الحركة ، ولا يتعطل دولاب العمل عن الدوران ، بل إن ذلك هو رمز الخلود في أي مبدأ وحركة أساسا.