بسبب إظهارها فيما هى فيه أظهر وأقوى ، وإنما لم يعطف بالجر على مدخول البيان فيكون التقدير أو بيان تقريرها ؛ لأن التقرير أخص من مطلق البيان ، إذ هو بيان على وجه التمكن فلو كان التقدير كذلك كان المعنى أو بيان البيان الخاص وتلزم فيه عجزفة ؛ لأن مدخول البيان أولا مفعول به ، وهذا لا يكون مفعولا به إلا بتمحل والرفع يغنى عن ذلك فارتكب ، وذلك (كما) أى : كالتقرير الكائن (فى تشبيه من لا يحصل من سعيه على طائل) أى : على فائدة وفضل وهو من طال طولا فهو طائل ، أى : صار له فضل وامتنان وفائدة ثم أطلق على مطلق الفائدة والفضل (بمن يرقم) ، أى : يخطط كتبا أو تزويقا (على الماء) ، فإن حال الساعى من غير حصول فائدة واضح ، ولكن إذا أردت تقريرها فى نفسه والتأثير الموجب لتصبيره أو تنفيره عما هو فيه شبهتها بالراقم على الماء فى عدم حصول فائدة فإن عدم الحصول على شيء فى الراقم أمر حسى متحقق بالشهود ، ويقوى ذلك كونك تريه الرقم حسا بأن ترقم بيدك على الماء بحضرته ثم نقول له أنت فى عدم حصولك على طائل مثلى فى هذا الرقم ؛ لأن النفس بالحسى أكثر إلفا منها بغيره ، ومن هذا المعنى أعنى ظهور المعقول فى المحسوس فيتمكن فى النفس لإلفها المحسوس قول الله تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم خليل الرحمن ـ على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام ـ : (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)(١) فقد طلب شهود أثر الإحياء ؛ لأن النفس فى الاطمئنان إلى المحسوس أقوى منها فى الاطمئنان لغيره قيل : إنما طلب ذلك لحق من يتبعه لا لنفسه ، وهذا فيما بين المحسوس والمعقول ظاهر فإنك لو قلت هذا اليوم مثلا أطول من كل ما يقدر لم يكن فى تأثيره فى النفس طول ذلك اليوم مثل قوله حيث شبهه فى المحسوس :
ويوم كظل الرمح قصر طوله |
دم الزق عنا واصطكاك المزاهر (٢) |
__________________
(١) البقرة : ٢٦٠.
(٢) البيت لابن الطثرية فى ديوانه ص (٨١) ، ولسان العرب (صفق) وأساس البلاغة (رمح) وورد (واصطفاق) مكان (واصطكاك).