وقد يوجد هذا التقرير فيما بين محسوسين إذا كان أحدهما أقوى فى ظهور الوجه كما لو قلت لكاتب بمداد أحمر فى قرطاس أحمر : " أنت فى كتابتك كالراقم على الماء" ؛ لأن عدم ظهور الفائدة فى الراقم على الماء أقوى ظهورا منه فى الكاتب المذكور ، ويحتمل أن يكون هذا المثال ، أعنى تشبيه من لا يحصل على طائل بالراقم على الماء ، من باب بيان المقدار ؛ لأن عدم الفائدة مما يقبل الشدة والضعف والتوسط باعتبار المتعلق فبين مقدار عدم حصوله ، وأنه بلغ إلى حيث لا يحصل منه ما يتوهم فيه أن فيه نفعا أصلا ، وبه يعرف أن ما فيه بيان المقدار إن قصد من حيث التقرير لما فيه من قوة الظهور والتمام كان من التقرير ، وإن قصد من حيث مجرد فهم الكيفية كان من بيان المقدار ، تأمل.
والوجه هنا أيضا الذى هو عدم حصول الفائدة من العمل من حيث تقريره فى ذهن السامع بالإتيان بما هو فيه فى غاية القوة يكون غرضا حاصلا عن التشبيه ومن حيث إنه موجود فى الطرفين جامع لهما يكون وجها أو نفسه جامع وتقريره فى النفس غرض ، فلا تداخل أيضا على ما تقدم ، ولما كانت هذه الأغراض متعلقة بالجامع كما أن جميع الأغراض كذلك أشار إلى ما يحق أن يكون عليه الجامع لتحصل تلك الأغراض معه حيث كان له دخل فيها بالتعلق المذكور ولو كان التعلق لا من حيث إنه وجه جامع على ما تقدم فقال : (وهذه) الأغراض (الأربعة) ، وهى بيان الإمكان وبيان الحال وبيان مقدار الحال والتقرير للحال (تقتضى أن يكون وجه الشبه فى المشبه به أتم) ، أى : أكمل وأقوى منه فى المشبه (وهو به أشهر) يعنى : وتقتضى أيضا أن يكون المشبه به أشهر وأعرف بوجه الشبه من المشبه ؛ لأن حاصل تلك الأغراض كما تقدم تعريف حال المشبه الذى هو وجه الشبه وتعريف مقداره وتعريف إمكانه وتقرير ثبوته فى الذهن بواسطة إلحاقه بالمشبه به ، فلو لم يكن المشبه به أعرف بالوجه لزم أن يكون فى التشبيه تعريف مجهول بمجهول ، وكون هذه الأغراض تقتضى الأعرفية جميعا ظاهر لما ذكر ، وأما كونها تقتضى أن يكون الوجه فى المشبه به أتم فليس بظاهر فى الجميع وإنما يظهر فى التقرير فقط ؛ وذلك لأن بيان الإمكان إنما المطلوب فيه مجرد وقوع وجه الشبه