هو الجراءة ، (ومنه) أى : ومن التشبيه المجمل (خفى) أى : ما خفى وجهه ، أو من الوجه الذى لم يذكر وجه خفى على ما تقدم فى الظاهر ، حتى لا يدركه إلا الخواص الذين أوتوا ذهنا ارتقوا به عن العامة ، يدركون به الدقائق والأسرار ، ويتوسعون فى الموصوفات وأوصافها ، وذلك (كقول بعضهم) قيل : هو كعب بن معدان الأشعرى سأله الحجاج ، فقال له : كيف تركت جماعة الناس ، فقال له كعب : بخير ، أدركوا ما أملوا ، وأمنوا مما خافوا ، ثم قال له : فكيف بنو المهلب فيهم ، قال : حماة السرح نهارا ، وإذا أليلوا ففرسان البيات ، ومعنى أليلوا دخلوا فى الليل ، كأصبحوا دخلوا فى الصباح ، ثم قال له : فأيهم كان أنجد ، فقال : (هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها) ، وقيل : إنه قول فاطمة بنت خرشب الأنمارية ، لما سئلت عن بنيها أولاد زياد العبسى ، وهم عمارة الوهاب ، وقيس الحفاظ ، وأنس الفوارس ، وربيع الكامل ، أيهم أفضل ، فقالت : عمارة ، ثم قالت : لا ، بل فلان ، ثم قالت : لا ، بل ، فلان ، ثم قالت : لا ، بل فلان ، ثم قالت : ثكلتهم أى : عدمتهم بالموت إن كنت أعلم أيهم أفضل ، هم كالحلقة المفرغة إلى آخره ، ثم أشار إلى الوصف المتضمن لوجه الشبه فى الطرفين معا بقوله : (أى : هم متناسبون فى الشرف) ، بمعنى : أنهم متشاكلون فيه تشاكلا يمنع تعيين بعضهم بالأفضلية وبعضهم بالمفضولية ؛ لاستواء ما يقتضى الشرف فيهم ، (كما أنها) أى : الحلقة المفرغة (متناسبة الأجزاء) أى : متناسبة القطع المفروضة فيها (فى الصورة) الشكلية واللصوقية تناسبا يمنع تعيين بعض تلك القطع طرفا ، وبعضها وسطا ، والحلقة المفرغة هى التى أذيب أصلها من فضة ، أو ذهب ، أو نحاس ، أو حديد ، أو نحو ذلك ، ثم أفرغ فى القالب ، فيصير فيه كالماء المنحصر ، فإذا جمد لم يظهر فى الحلقة الناشئة عنه طرف ، بل تكون مصمتة الجوانب ، أى : لا تفريج فيها ، ولا يلزم من نفى التفريج نفى التربيع والتثليث مثلا ، ولكن المراد ما كان كالدائرة ليتحقق التناسب فى أجزائها فى الشكل والوضع ، فتصير بذلك ذات إحاطة نهاية واحدة كالدائرة ، وبهذا علم أن ليس المراد بكونها مصمتة كونها لا جوف لها خال ، ثم نفى دراية طرفيها لا يستلزم وجود الطرفين ، بل نفيها لنفيهما ؛ لأن القضية السالبة لا تقتضى وجود الموضوع ؛ وإنما قلنا أشار إلى الوصف