أريد من المشبه به ؛ لأن المشبه به هو الحلقة المفرغة لا مطلق الحلقة ، والانتقال من الإفراغ إلى التناسب الذى هو الوجه فيه خفاء ، فلم يعتبر فى الوصف المشعر بالوجه ، ولو اعتبر مثل هذا في هذا القسم كان ذكر المشبه به بمثابة الوصف المشعر دائما ، إذ لا يخلو المشبه به عن مطلق الإشعار ، ولم يذكر أحد أنه بمثابته ، وقد تقدم أن المفرغة لا طرفين لها ، وإنما يتصور الطرفان الملتقيان فى المصنوعة بلا إفراغ ، فذكر الطرفين لإشعار مطلق الحلقة بهما ، وقد نبهنا على أن نفى درايتهما لا يستلزم وجودهما ؛ لأن القضية السالبة لا تقتضى وجود الموضوع.
(ومنه) أى : ومن هذا القسم من المجمل (ما ذكر فيه وصفهما) أى : وصف المشبه به والمشبه معا (كقوله) أى : كقول أبى تمام يمدح الحسن بن سهل : ستصبح العيس (١) ، أى : الإبل بى ، والليل يعنى وسير الليل عند فتى. كثير ذكر الرضا فى حالة الغضب (صدفت عنه) أى : أعرضت عنه ، تجريبا لشأنه ، أو خطأ منى وقلة وفاء بحقه (فلم تصدف) أى : لم تعرض عنى بمعنى لم تنقطع (مواهبه) أى : عطاياه (عنى وعاوده ظنى) أى : عاودته بمواصلته طلبا لإحسانه ؛ ظنا منى أنى أجد فيه المراد ، فنسبه المعاودة إلى الظن تجوز (فلم يخب) ظنى فيه بل وجدته عند معاودته طلبا للإحسان كما أظن ، وكيف يخيب فيه الظن وهو يهب عند الإعراض فيهب عند الإقبال من باب أحرى ، فهو فى إفاضته فى الإقبال والإدبار (كالغيث) أى : كالمطر الواسع المقبل الذى يغيث أهل الأرض ، (أن جئته) أى : إن جئت الغيث حالة إقباله (وافاك) أى جاءك ولاقاك (ريقه) أى : أوله وأحسنه ، يقال : فعل فلان هذا الأمر فى روق أو ريق شبابه أى : أوله وأحسنه ، ويقال : أصابه ريق المطر أى : أوله وأحسنه ، وريق كل شيء أفضله ، وجعل أول المطر أحسنه للأمن معه من الفساد ، وإنما يخشى الفساد بدوامه ، (وإن ترحلت عنه) أى : فررت من الغيث (لج) بالجيم المعجمة أى : بالغ (فى الطلب) وأدركك مع فرارك منه ، وأصل اللجاج المبالغة فى الكلام ، والاشتغال به بقوة ، فاستعمل فى إسراع المطر وإدراكه من فر منه بقوة ، فالمشبه وهو الممدوح وصفه بأنه يعطى المعرض والمقبل ،
__________________
(١) الأبيات لأبى تمام فى ديوانه (١ / ١١٣) من قصيدة يمدح فيها الحسن بن سهل ، وعقود الجمان (٢ / ٢٨).