لا يفوز بالتشبيه به إلا القليل من الأذكياء والبلغاء ، وهذا يتصور فيه هذا المعنى ابتداء ودواما بمعنى أنه كذلك هو فى جميع الأوقات ، ويتصور فيه أن يكون فى أصله كذلك ، ولكن جرى استعماله كثيرا حتى صار ظاهرا عند المستعملين ، مبتذلا عند من له مخالطة لكلام الناس ، وهذا يستلزم كون ابتذاله مخصوصا ببعض الناس دون بعض ؛ لأن ابتذاله ليس من ظهوره حتى يستوى الناس فيه ، بل من ممارسة كلام البلغاء ، وهذا لا يخرج عن الغرابة المقابلة للابتذال على ما نحرره بعد ، ودخل فى البعيد الغريب الذى أصله أن لا يدركه إلا الخواص ، الوجه الذى إذا حضر الطرفان ظهر الوجه بينهما ، وإذا غاب أحدهما وأريد التشبيه لم يدركه إلا الخواص ، كتشبيه إبرة روق الغزال بالقلم الذى أصاب من الدواة مدادا ، فإنه لا يدركه ـ عند غيبة أحد الطرفين ـ إلا الأذكياء ، وعند حضورهما يكون مدركا بسهولة ، فإذا تمهد هذا فنقول : ينبغى أن يدخل فى الابتذال القسمين الأولين ، وهما ما سهل فيهما الانتقال ؛ لأن الغالب فى الذى يتوهم فيه عدم الابتذال ـ وهو الذى يسهل الانتقال فيه ولم يتفق استعماله كثيرا ـ عدم وجوده ؛ إذ كل ما صح التشبيه فيه لا يخلو من أن يقع فيه بالفعل فيكثر إن ظهر ، وعلى تقدير صحة عدم الاستعمال فمن شأنه ذلك الاستعمال فهو فى حكم المبتذل ، فعلى هذا يكون الوصف بالابتذال ليس للإخراج ، ويكون المقابل له وهو البعيد مدخلا لما سوى القسمين ، فتكون القسمة حاصرة ، ويدل على هذا قوله فى تفسير المبتذل : (وهو) أى : التشبيه القريب المبتذل (ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به) ، والمنتقل هو مريد التشبيه ، ويلزم من قرب انتقاله إلى المشبه به عند روم التشبيه به (من غير تدقيق نظر لظهور وجهه فى بادى الرأى) فهم السامع الوجه أيضا عند سماع الكلام ، وقوله : فى بادى الرأى يحتمل أن يكون من البدو وهو الظهور ، فيكون المعنى لظهوره فى جملة الأمور التى تبدو للرأى ، ويحتمل أن يكون من البدء ، فيكون المعنى لظهوره فى أول ما يبدأ الرأى ، أى : يأتيه أولا ، ومعنى تدقيق النظر إمعانه ومعاودة التأمل فى استخراج ما يكمل به القصد ، وهو يشمل معنيين ، أحدهما أن يكون بعد إحضار الطرفين يحتاج إلى التأمل فى الوجه ما مقداره ، وما هو ، وهل تم وحسن فيهما أو لا ، وهذا يستلزم غالبا الحاجة عند