إحضار أحدهما إلى التأمل والتصفح لما يشبه به الحاضر منهما ؛ إذ لو كان كثير الحضور مخالط المعنى ظهر ما فيه ، والآخر أن يحتاج إلى استعمال الفكر فى استخراج ما يصلح للتشبيه من المعانى المخزونة فى الخيال ، وبعد استحضار ما يشبه به يكون الوجه ظاهرا كما تقدم فى تشبيه إبر الروق بالقلم الذى أصاب المداد ، وقد علم أن الأول أخص من الثانى على حسب الغالب ، فإن مشبه بنى المهلب بالحلقة يحتاج إلى التأمل فى إحضار الحلقة المفرغة ، ثم إلى التأمل فى استخراج وجه الشبه بينهما بعد حضورهما كما لا يخفى ، فإن قلت الشاعر البليغ أو الكاتب الفصيح تتدفق على لسانه التشبيهات الغريبة ، بل الاستعارة بلا تأمل قلت على تقدير تسليم أن ذلك التدفق لم يسبق بتأمل ، فالمعانى التى أبداها من شأنها الحاجة إلى التأمل ، وذلك يكفى فى نفى الابتذال ، ويدل على كونها تحتاج إلى التأمل عدم تسامح الناس فيها ، وأيضا قد يسمع تشبيه فيطلب السامع استخراج الوجه التام فلا يجده إن لم يصرح به إلا بعد إمعان النظر وذلك مشاهد ، فالتأمل موجود فى بعض المعانى دون بعض ، فليفهم.
فإن قيل فما الفرق حينئذ بين الظاهر والمبتذل ، وبين مقابله الآتى وهو الغريب البعيد وبين الخفى الذى هو المقابل للظاهر ؛ لأنك أدخلت فى المبتذل ما يقدر كل أحد على استعماله بسهولة ولو لم يقع كثرة استعماله بالفعل ، فإن كان الظاهر هو المبتذل والبعيد هو الخفى وجب إسقاط أحد البابين ، قلت : لا شك أنه يمكن إدخال أحد البابين فى الآخر ـ كما قلت ـ لكن حيث ذكر كل منهما على حدة وجب التفريق بينهما ، وذلك بأن يعتبر أن الظاهر أعم من المبتذل ؛ لأن الظاهر هو ما قرب إدراكه لكل أحد عند قصد التشبيه ، أو قرب بعد إحضار الطرفين ـ ولو كان إحضار أحدهما يحتاج إلى تأمل ـ وإذا علم الفرق بين الظاهر والمبتذل علم بين مقابليهما تأمله ، ثم علل ظهور الوجه الموجب للابتذال بعلتين فقال : وظهور الوجه (إما لكونه أمرا جمليا) نسبة إلى جملة بسكون الميم ، ومعنى كونه جمليا أنه لا تفصيل فيه ، والتفصيل هنا إدراك الخصوصيات ، وإدراك كثرة الاعتبارات ، وإدراك الجملة إدراك العمومات ، وقلة الاعتبارات ، (فإن الجملة) أى : إنما قلنا : إن الأمر الجملى أظهر من التفصيلى ؛ لأن