الجملة (أسبق إلى النفس) عند توجهها للإدراك من التفصيل ؛ وذلك لأن إدراك الجملة كما تقدم إدراك للعمومات مع قلة الاعتبارات ، والأمر العام يكثر وجوده فى الأفراد فيكثر التلبس به فيسهل إدراكه ، ولذا يقال الأعم أظهر من الأخص ، ومن ثم يقال تقديمه فى التعريف أوجب ، ويقال التعريف بالأخص تعريف بالأخفى ، ويقرر لك خفاء التفصيل وظهور الجملة أنك لو توجهت إلى إدراك الإنسان وجدت أسبق ما يدرك منه وأسهله إدراكه من حيث إنه شيء ، ثم من حيث إنه جسم ، ثم من حيث إنه حيوان ؛ لأن هذه عمومات يكثر وجود أفرادها ، فتبدو معانيها فى الإنسان وغيره ، فالأعم منها أسبق من الأخص ، وهو الذى يليه ، بخلاف إدراكه من حيث إنه جسم حساس متحرك بالإرادة ناطق فإنه خفى ؛ لأنه أقل وجودا مما قبله ، فإذا تحقق أن الجملة أسهل على النفس من التفصيل ، فالوجه إن كان أمرا جمليا كان ظاهرا سهل التناول فيلزم كون التشبيه به مبتذلا على ما تقدم ، فإذا فرضت إنسانا شبه زيدا بعمرو فى الإنسانية ، وآخر شبهه به فى الإنسانية الموصوفة بشرف الحسب وكرم الطبع وحسن العشرة ودقة النظر فى الأمور ونجاح المسعى فيها ، كان نظر الثانى أخفى من نظر الأول وأدق ، وبهذا يعلم أن التشبيه الواحد يجوز أن يكون مبتذلا بما اعتبر فيه من جملة الوجه ، وغير مبتذل بما اعتبر فيه من تفصيله ، وكون الجملة أسبق من التفصيل متقرر حتى بالنسبة للحواس ، فإن من نظر فى شيء أدرك منه جملة ربما يتوهم منها ذلك المنظر على خلاف ما هو ، فإذا أمعن النظر أدرك فيه تفصيلا يظهر به ما فيه ، ولهذا يقال النظرة الأولى حمقاء ، وكذا فى السمع فإن أول ما يقرع السمع قبل تمكن الحاسة من المسموع الجملة التى تصبح معها الغلط ، ولذلك يقال اختطف سمع فلان كذا فظنه كذا ، وإنما كثر الغلط مع الجملة لإدخالها ما لا يوجد فى المدرك لعمومها ، ولكن إنما تكون الجملة أظهر من التفصيل إن اعتبرا فى محل واحد فتسبق الجملة فيه ، ثم إذا أمعن النظر ظهر ما خفى من التفصيل فيه ، وأما إن اختلف المحل جاز أن يكون التفصيل أظهر لتكرره عند المدرك فى ذلك المحل دون الجملة فى محل آخر لعدم تكرره ؛ لكن هذا لا يرد فيما نحن بصدده ؛ لأن المراد الإلحاق بشيء وجد بجملة أو تفصيل كائنين فيه ، (أو لكونه قليل التفصيل) هذا