نسب الجريان إليه ، وإن كان الجارى فى الحقيقة هو الشعاع المصفر الواقع فيه ، ويحتمل أن يكون فى الكلام استعارة ، بأن يستعار الذهب لنفس الشعاع المصفر ، وتكون إضافته إلى الأصيل من إضافة المظروف للظرف ، وعلى كل فقد أفهم التركيب أن الشعاع يكسو وجه الماء ويجرى عليه ، ولا شك أن جريانه على الماء يستشعر منه حالة جريان الذهب على الفضة التى سقيت به ، فيكون فى الكلام ظرافة فى تضمنه تشبيها آخر لطيفا ، وبحمل هذا البيت على هذا الذى هو المتبادر منه يكون من لجين الكلام بضم اللام وفتح الجيم وهو حسنه وشريفه ، لا من لجينه بفتح اللام وكسر الجيم وهو خسيسه وقبيحه ، ويكون من هجانه بكسر الهاء وهو عليه ، وشريفه لا من هجينه بفتح الهاء وهو رديه ووضيعه ، ومن الناس من ذهب إلى أن اللجين فى البيت بفتح اللام وكسر الجيم ، وأن المراد به ورق الشجر الساقط ، وأن الشاعر شبه بذلك وجه الماء ، ومنهم من ذهب إلى أن المراد بالأصيل الشجر الذى له أصل وعرق ، فالمراد بالذهب الورق الساقط منه على وجه الماء واصفر ببرد الخريف ، ولا يخفى أن كلا الوجهين فاسد ، ويكفى فى فسادهما ما يشهد به كل طبع سليم من أن كلا منهما غاية فى البرودة المنافية لما اشتمل عليه البيت من الظرافة التى تتبادر لوائحها منه ، والبرودة مع وجود منافيها من أنواع الفساد ، على أن تشبيه وجه الماء بالورق الساقط إن أراد به الورق المصفر فلا يصح ، لانتفاء الجامع المعتبر بينه وبين مطلق وجه الماء وإن أراد به مطلق الورق الساقط فكذلك ، إذ يصير كتشبيهه بمطلق النبات فى الاخضرار ، ولو جوزنا مثل هذا لجوزنا تشبيهه بالجبل الأجرع (١) ونحو ذلك ، ونحو هذا التشبيه غير معدود فى الكلام ، وأما الوجه الثانى فيلزم فيه زيادة على البرودة المفسدة انتفاء كونه من إضافة المشبه به إلى المشبه الذى هو المقصود أن يستشهد له فى الإضافتين ، وأيضا إطلاق اللجين على الورق فى الوجه الأول ، والأصيل على الشجر فى الثانى مما لا يعرف ولا يعهد لغة ولا عرفا ، فلأجل هذا كان فساد هذين الوجهين غنيا عن البيان ، وفى المطول أن كلا منهما أبرد من الآخر وذلك كاف فى فسادهما كما ذكرنا.
__________________
(١) هو الجبل له جانبان أحدهما رمل والآخر حجارة.