بالوضع (بنفسه) خرج به التعيين للدلالة بواسطة القرينة ؛ وهو وضع المجاز ؛ كما سيخرجه المصنف وكون الدلالة على المعنى بالنفس لا بالقرينة يفيد أن العلم بوضع ذلك اللفظ كاف في فهم معناه عند إطلاقه عليه ، فيشمل وضع الحرف كالاسم والفعل ؛ لأن وضع الحرف إنما هو على أنه سمع حرف فهم معناه من غير توقف على قرينه ؛ إذ وضعه واحد ولم تصحبه قرينة ، فلا يحتاج في فهم معناه إلى قرينة ، وإنما يحتاج إلى القرينة فيما أريد به غير ما وضع له أولا ؛ كالمجاز لكن يرد أن يقال : فما معنى قولهم إذا : إن دلالة الحرف باعتبار مدخوله ؛ فإن هذا أمر مشهور في الحرف ، فحينئذ يتحقق بذلك توقفه على غيره فلا ينفهم معناه بمجرد العلم بوضعه ، فكيف يصدق عليه الحد ؛ والجواب عن ذلك ـ كما أشرنا إليه أن سماع الحرف كاف بعد العلم بوضعه في فهم المعنى بالنظر إلى نفسه ؛ بمعنى أنه لم تصحب وضعه القرينة ، ولا جعلت شرطا عند الوضع في فهم معناه ؛ وهذا هو المراد بالدلالة بالنفس ، وإنما جاء التوقف بالنظر إلى المعنى لكونه نسبيا لا ينفهم إلا باعتبار ما تعلق به ، ويتمم ذلك بأن يدعي أن معنى كونه نسبيا كونه ملحوظا لغيره ، لا كونه ذا نسبة تتعلق بين شيئين فقط ، وإلا لزم كون نحو البنوة والأبوة حرفا ؛ وبيان ذلك أن يقال : الحرف وضعه الواضع للمعنى الملحوظ ليتوصل به إلى غيره ، فإنه كما يفتقر إلى وضع اللفظ للمعنى الملحوظ لذاته نسبيا كان بأن توقف فهمه على فهم غيره ، أو غير نسبي بأن لم يتوقف ، كذلك يفتقر إلى وضع اللفظ للمعنى النسبي الملحوظ لغيره ؛ فحينئذ يكون الحرف بالنظر إلى نفس وضعه كافيا في الدلالة ؛ لأن الواضع لم يعتبر لذلك المعنى إلا نفس الحرف دون قرينة ، ولا يضر كون نفس المعنى نسبيا لا يفهم إلا باعتبار معنى آخر يدل عليه لفظ سوى الحرف ؛ لأن ذلك أمر عارض انجر إليه الأمر عند الاستعمال ، فعدم كفايته عند الاستعمال لا بالنظر إلى الوضع الأصلي ؛ لأن الحرف لم يوضع مقرونا بالمجرور ، كما لم يضر في وضع الاسم للمعنى النسبي المفتقر إلى ملازمة الإضافة لأنها عارضة تابعة ـ كون الاسم احتاج في الفهم عند الاستعمال إلى المضاف إليه وإنما قلنا : عند الاستعمال لأن لزوم الإضافة لا يقتضي وضع الاسم معها ، إذ غاية ما يقتضيه لزومها أن الاستعمال لا ينفك عنها ، لا