بها تختلف أجناس الحروف كما اختلفت في مخارجها ؛ وذلك مثل كون الحرف مجهورا المقابل لكونه مهموسا ؛ أي : معه خفاء طبيعي ، ومثل كونه شديدا المقابل لكونه رخوا ، ومثل كونه متوسطا بين الشدة والرخاوة ، وغير ذلك كالتصحيح والإعلال ، والاستعلاء والانخفاض ، وأجناس ذوات هذه الأوصاف معلومة في محلها. وإذا كانت الحروف كذلك فمن مقتضى حكمة الواضع أن لا يهمل المناسبة عند الوضع ولو جاز عقلا تركها ـ فيضع ـ مثلا ـ ما يشتمل على ما فيه رخاوة لمعنى فيه رخاوة ومقاربة وسهولة ؛ كالفصم (بالفاء) الذي هو حرف رخو ؛ وقد وضع لكسر الشيء بلا بينونة ؛ لأنه أسهل مما فيه بينونة ولذلك وضع له القصم (بالقاف) الذي هو حرف شديد ؛ لأن الكسر مع البينونة أشد وكذا يضع ما فيه مستعل لما فيه علو وضده ، وعلى هذا القياس وما ذكروه أيضا من أن لتركيب الحروف في الكلمة هيئة خاصة تناسب معنى فتوضع له تلك الكلمة ؛ كما في النزوان فإنه على هيئة حركات متوالية فيناسب ما هو من جنس الحركة ؛ ولذلك وضع لضراب الذكر ونزوه على الأنثى وهو من جنس الحركة ؛ وكما في الحيدى فإنه على هيئة حركات متوالية فوضع للحمار الذي له نشاط في حركاته وخفته حتى إنه يحيد ويفر من ظله ؛ وكذا هيئة فعل بضم العين للزوم ؛ بمعنى : عدم التعدي للمفعول لأن الانضمام يناسب عدم الانبساط فجعلت دالة على الأفعال الطبيعية اللازمة لذواتها ككرم ، وجبن ، وشرف. ويناسب ما ذكر من رعاية خواص الحروف ما يقوله أرباب علم الحروف من أن لها حرارة وبرودة ، ورطوبة ويبوسة تناسب بها ما وضعت له الألفاظ المركبة منها ، وما يقوله المنجمون من أن حروف الاسم تشتمل على مناسبة تدل بها على أحوال مسماه وما يقع له من الحوادث طول عمره. وعند أهل الحق أن كل ذلك لله تعالى ؛ فعلى تقدير وجود دلالة عادية في شيء من ذلك فهي بالجعل من الله تعالى يمكن تخلفها وكون الحرف ـ مثلا ـ حارا أو باردا حرارة وبرودة تقتضي برودة أو حرارة في طبع مسماه ليس بالذات ، بل بالجعل ، ويمكن أن يجعل ذلك الربط في حرف مضاد له.