يجاب به عن البحث كما أشرنا إليه أن التفاوت في الماهية أو في الجزء يكفى فيه حصوله بأمر يتعلق بالجزء أو بالماهية ، وإن كان خارجيا. والخروج عن هذا دخول في مضيق لا ينفصل عنه إذ مآل الجواب الأول أن التفاوت إنما يقع في الحقائق المشككة إذا دل عليها اللفظ مع غيرها ، وليست حقيقة التقطيع من ذلك ، وإنما فيه التفاوت باعتبار المتعلق كما تقدم فافهم.
ثم ما مثل به من التقطيع إنما يتم إن سلم أن إزالة الاجتماع جنس له وللتفريق كما قررنا ، وأما إن روعى كما يتبادر عرفا أن إزالة الاجتماع لا تقال في الالتزاق ، فلا يتم بل لو قيل في الجامع بين التقطيع وتفريق الجماعة في الأرض إنه هو عدم إمكان الرجوع إلى الحالة الأولى في الالتئام ما بعد ، ويكون الجامع حينئذ خارجا ، وعليه فيكون الأقرب في التمثيل استعارة الخياطة الموضوعة لضم الخرق إلى السرد الموضوع لضم الحلق بجامع ضم أشياء بعضها إلى بعض كما في قوله :
ما كان خاط عليهم كل زراد (١)
فتأمل. ثم إن حاصل ما ذكر نقل اللفظ من نوع إلى نوع آخر يشاركه في الجنس لأجل ذلك الجنس فإن الطيران مثلا نقل على ما تقدم من قطع المسافة بسرعة بالجناح إلى قطعها بسرعة بغيره ، وإن كان الأمر كذلك فلم لا يقال هو مثل نقل المرسن إلى الأنف ؛ لأن المرسن فيه خصوص كونه أنفا غليظا لبهيمة يجعل فيه الرسن ، فنقل إلى أنف الإنسان من حيث وجود مطلق الأنف فيه وإن كان المرسن كالطيران في أن كلا منهما لفظ نقل من أحد المشتركين في الجنس المختلفين في خصوص الوصف فيكون كل منهما مجازا مرسلا لا استعارة ، وإلا فما الفرق؟ وأجيب بأن خصوص وصف كون القطع بالجناح المصحح لقوة الوجه روعى في النقل بمعنى أنا شبهنا العدو به فيما أوجبه من الوصف القوى فنقلنا اللفظ الدال عليه وهو الطيران فكان استعارة والمرسن لم ينقل بعد تشبيه أنف الإنسان به في كونه أنفا واسعا يجعل فيه الرسن (٢) لعدم
__________________
(١) عجز بيت للقطامى فى الإيضاح ص (٢٤٩) ، وصدر البيت : نقريهم لهزميّات نقدّ بها.
(٢) الرسن : الحبل.