(وإذا احتبى قربوسه بعنانه) (١) بفتح الراء وربما سكنت للتخفيف وهو مقدم السرج.
علك الشكيم إلى انصراف الزائر
وأراد الشاعر بالزائر نفسه كما دل عليه ما قبله والشكيم بمعنى الشكيمة ، وهى الحديدة المعترضة في فم الفرس المدخلة فيه مجعولا في ثقبتها الحلقة الجامعة لذقن الفرس إلى تلك الحديدة. وقوله قربوسه يحتمل أن يكون هو الفاعل ، باحتبى بتنزيله منزلة الرجل المحتبى فكأن القربوس ضم إليه فم الفرس كما يضم الرجل ركبتيه إلى ظهره بثوب مثلا ، ويحتمل أن يكون مفعولا باحتبى مضمنا معنى جمع. والفاعل على هذا هو الفرس ، فكأنه يقول وإذا جمع الفرس قربوسه بعنانه إليه ، كما يضم المحتبي ركبتيه فعلى الأول ينزل وراء القربوس في هيئة التشبيه منزلة الظهر من المحتبي ، وفم الفرس بمنزلة الركبتين وهذا الوجه ولو كان فيه مناسبة ما من جهة أن الركبتين فيهما شيئان كفكى فم الفرس مع التقارب في المقدار. والقربوس متحدب كوسط الإنسان وخلفه كظهره لكن فيه بعد وبرودة وغموض ، وفيه مخالفة لمقتضى الوجه الثاني الذي يتحقق به قوة المشابهة في الهيئة وظرافة في الاعتبار ؛ وذلك أن الوجه الثاني اقتضى كما أشرنا إليه أن القربوس في الهيئة بمنزلة الركبتين والفم بمنزلة الظهر ومعلوم أن القربوس في الهيئة أعلى ، وكذا الركبتان والفم فيهما أسفل وكذا الظهر. والوجه الثاني لهذا الاعتبار أولى وأسد في تحقق التشابه ، وأوكد في الإلحاق ثم الاحتباء هو المشبه به ، وهو أن يضم الرجل ظهره وساقيه بثوب وشبهه ، والذي نقل إليه لفظ الاحتباء هو إلقاء العنان على القربوس ليضم رأس الفرس إلى جهته. وقد اشتمل كل منهما على هيئة تركيبية ، لاقتضائه محيطا مربعا ومضموما إليه مع كون أحد المضمومين أرفع من الآخر ، ومعلوم أن التركب في الهيئة لا يستلزم تركب الطرفين ، كما تقدم في العنقود والثريا ، ومثل ذلك الاحتباء هنا فلا يرد أن يقال الكلام في الاستعارة الإفرادية والهيئة تقتضي تركيبا في الاستعارة وهذه الهيئة نشأت في التعقل عن إيقاع العنان أو الثوب مثلا في موقعه
__________________
(١) لمحمد بن يزيد بن مسلمة فى الإشارات ص (٢١٦). القربوس : مقدم السرج ، علك : مضغ ، والشكيم : الحديدة المعترضة فى فم الفرس.