وأما عبارة السكاكي حيث قال : إن المستعار له هو ظهور النهار من ظلمة الليل ففيها إشكال ؛ لأن السلخ على هذا وهو المستعار قد أطلق على ظهور النهار من ظلمة الليل ، والواقع بعد ظهور النهار بعد خفائه من ظلمة الليل هو الإبصار لا الإظلام ، وقد يؤول التوفيق بين كلام السكاكي والمصنف بأوجه (أحدها) أن ظهور النهار إنما يحصل بظهور جميع أجزائه ولا يكون ذلك إلا بظهور آخر جزء منه وبوجود لحظته يقع الغروب فيكون الواقع بعد ظهوره جميعا هو الإظلام فيعود كلامه لكلام المصنف وفيه أن النهار هو انتشار جميع أجزاء الضوء المخصوص ، وقد وجد ذلك عند الطلوع ولم يوجد إظلام والمقدر الذي استمر فيه ذلك الضوء كأزمان كل حادث فإن الحادث يوجد بجميع أجزائه ، فإذا انعدم بعد استمراره لا تجعل لحظة عدمه من أجزائه ، فكما تعقل هذا في حادث غير النهار فكذلك النهار وهذا ظاهر على أن المراد بالنهار الضوء وهو الأقرب (وثانيها) أن الكلام على وجه القلب والتقدير ظهور ظلمة الليل من النهار والواقع بعد ظهور الظلمة بعد خفائها من النهار ، وهو الإظلام وفيه أن القلب لم يتضمن اعتبارا لطيفا فهو كالغلط ، ولم يظهر هنا اعتبار لطيف وذلك كاف في قبحه (وثالثها) أن المراد بالظهور التمييز ومن بمعنى عن ، والمعنى أن المستعار له تمييز النهار عن ظلمة الليل والواقع بعد تمييز النهار عن ظلمة الليل هو الإظلام ويرد عليه أنه إن أريد بالتمييز إزالة النهار عن مكان الليل بإعدامه في مرأى العين فهو الوجه الرابع على ما سنذكره ، وإن أريد تمييزه عنه مع بقاء وجوده في مكان الليل فهو فاسد ، إذ لا يجتمعان وتمييزه عن حال كونه موجودا في مكان آخر هو الذي نعنى بعدمه في مكان الليل فلم يبق لهذا الثالث معنى مستقل صحيح تأمله. والوجه الرابع أن المراد بالظهور الزوال كما في قول أبي ذؤيب.
وعيرها الواشون أنى أحبها |
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها (١) |
__________________
(١) البيت لأبى ذؤيب الهذلي فى شرح أشعار الهذليين ص (٧٠) ، والتنبيه والإيضاح (٢ / ١٥٩) ولسان العرب (٤ / ٥٢٧) (ظهر).