شىء ؛ لأن وجود ما لا يكون شأنه أن يحول كعدمه بالنسبة لتلك الحياة ، فعبر بالفاء ولا شك أن اعتبار التعاقب كما لم يحصل فيه للإشعار بعظمة أمره وأنه مما ينبغي أن لا يكون إلا بعد أضعاف أوقات ذلك الشىء كما في الليل مع النهار ، مما يستبدع فحسنت الفاء المشعرة بالمعاقبة المشار بها لهذه اللطيفة وقد علم أن هذا الوجه يقتضى أن الإظلام بعد الفعل الذي هو إظهار النهار ، ولا شك أن إظهار النهار لا يشعر بالليل ولا يترتب عليه بلا مهلة لوجود المهلة حسا وإنما انتفت بالاعتبار السابق.
ومعلوم أن المفاجئ هو الآتي من غير ترقب ويستعظم أمره غالبا والإظلام هو الذي أتى بلا ترقب وهذا مستعظم وإنما لم يترقب الليل ؛ لأن إظهار النهار لا يشعر به فحسنت إذا الفجائية هنا على هذا الوجه لاقتضائها أن الإظلام جاء من غير ترقب وحسنت الفاء مع ذلك كما تقدم. وأما الوجه الأول فالفاء فيه ظاهر أمرها باعتبار الترتب العقلى كما تقدم والمفاجأة تحتاج أيضا إلى تأويل وقد بيناه فيما تقدم ، وإنما احتاجت ؛ لأن إزالة الضوء يعلم منه وجود الإظلام فلا يؤتى فيه بما يقتضى المفاجأة ألا ترى إلى قولك كسرت اللبنة لا يصح أو لا يحسن فيه أن يقال فإذا هى منكسرة ؛ لأن الانكسار يشعر بالكسر ؛ لأنه مطاوعة وهو حاصل بحصوله فكذا إذهاب الضوء يشعر بالإظلام ، حتى كأنه مطاوعة ويحصل معه فلا تحسن فيه المفاجأة وإنما لم نقل لا تصح لإمكانها بالتأويل السابق الذي قد يدعى فيه أنه تكلف. فقد ظهرت بهذا صحة كلام السكاكي من غير حاجة للرد إلى كلام المصنف وترجحه بصحة المفاجأة فيه بلا تكلف والفاء فيه للاعتبار اللطيف.
ولقائل أن يقول المفاجأة في الوجه الأول اعتبرت للطيفة السابقة كما قررناها في تفسير كلام المصنف ولا نسلم وجود التكليف فيه أصلا والفاء فيه كذلك والمفاجأة في الثاني تصح بلا تأويل والفاء فيه تحتاج لما تقدم ، فاعتدل الوجهان في وجود الاعتبار اللطيف في الفاء فيهما بأن اعتبر في الأول الترتب العقلى كالحسى وفي الثاني المهلة كعدمها وزاد الأول بالاعتبار اللطيف في المفاجأة ، وعليه فالوجه الأول أرجح تأمله.