عقليا والآخر حسيا ، وهما حينئذ قسمان ؛ لأنهما إذا اختلفا فإما أن يختلفا (والحسى) أى : والحال أن الحسى (هو المستعار منه) والعقلى هو المستعار له (نحو) أى : كالطرفين في الاستعارة في نحو قوله تعالى (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ)(١) ف) إن الصدع استعارة طرفاها مختلفان ، والمستعار منه حسى ل (أن المستعار منه) لفظ الصدع الذي اشتق منه اصدع هو (كسر الزجاجة) ونحوها مما لا يلتئم بعد الكسر (وهو) أى : وذلك الكسر (حسى) باعتبار متعلقه ، وإنما قلنا كذلك ؛ لأن الكسر عبارة عن تعلق القدرة بالفعل الذي هو تفرق الأجزاء على الوجه المذكور والتفرق حسى في موصوفه بخلاف تعلق القدرة به فهو عقلى ، ولكن يعدون الوصف حسيا باعتبار متعلقه (والمستعار له هو التبليغ) أى : تبليغ النبي صلىاللهعليهوسلم ما أمر بإبلاغه بإسماعه المبعوث إليهم وبيانه لهم (والجامع) بين الكسر والتبليغ (التأثير) في متعلقهما ، وذلك أن التبليغ في الحقيقة بيان المبلغ والكسر تفريق أجزاء المكسور وهو في الزجاجة مصحوب بمعنى هو عدم صحة الالتئام. وقد اشتركا في التأثير أما في التبليغ فلأن المبلغ أثر في العلوم المبلغة ببيانها ، وأما في الكسر فظاهر والمراد بالتأثير تأثير خاص وهو الموجب لكون المؤثر فيه لا يعود إلى الحالة الأولى ، وهو أمر مشترك بين الطرفين أعنى تأثيرا لا يعود معه المؤثر فيه إلى الحالة الأولى وهو في كسر الزجاجة أقوى وأبين ، وبيانه فيهما أن التبليغ فيه تأثير هو بيان لا يعود المبين معه إلى الخفاء بوجه والكسر فيه تأثير هو كسر لا يعود المكسور معه إلى الالتئام ، ولذلك يقال في تفسير اصدع أبن الأمور إبانة لا تنمحى أى : لا تعود إلى الخفاء كما أن كسر الزجاجة لا يكون معه التئام والأقرب أن هذا الجامع داخل في الماهية لدخول التأثير في مفهوم كل منهما ؛ لأنه في التبليغ تأثير هو البيان المذكور ، وفي الكسر تأثير هو التفريق المذكور فتأمل فإن الموضع سهل دقيق.
(وهما) أى : الطرف الذي هو التبليغ والجامع الذي هو التأثير (عقليان) فإن قيل : التبليغ إسماع فهو حسى باعتبار المتعلق قلت المراد تبليغ المعاني ببيانها والبيان هو الإتيان بما يتبين من غير تقييد بكونه حسيا ، ومعلوم أن ذلك الإتيان عقلى ؛ لأنه عبارة
__________________
(١) الحجر : ٩٤.