عن إيجاد شىء يبين من عبارة أو إشارة أو فعل فهو في أصله عقلى وإن كانت مصادقه حسية ؛ لأن المصادق إذا تعددت وقصد القدر المشترك بينها لا يكون ذلك المقصود بها حسيا إذا لم يقصد القدر المشترك ليتأتى الجمع به من حيث إنه كلى ، كما في سائر الجوامع وإنما قصد لذاته فصار عقليا تأمله ، ثم الصدع بمعنى الشق لا يتعدى بالباء فالباء في اصدع بما تؤمر لا تخلو من تجوز ، بأن يضمن الصدع معنى يتعدى بالباء كالجهر بالشىء والبوح ببيانه والتصريح به وما أشبه ذلك.
(وإما عكس ذلك) أى : إذا اختلفا فإما أن يختلفا ، والحسى هو المستعار منه كما تقدم أو يكون العكس وهو أن يختلفا والحسى المستعار له (نحو) أى : وذلك كالطرفين في الاستعارة في نحو قوله تعالى (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) ف) (١) إن طغى مشتق من الطغيان ، وهو استعارة أحد طرفيها عقلى وهو المستعار منه والآخر حسى ، وهو المستعار له وذلك ل (أن المستعار له) أى : لأن الذي استعير له لفظ الطغيان وأخذ منه طغى هو (كثرة الماء و) كثرة الماء مرجعها إلى وجود أجزاء كثيرة ، وهى مشاهدة ف (هو) أى : فهذا الطرف الذي هو كثرة الماء (حسى) فإذا كانت الكثرة وجود أجزاء كثيرة للماء فالوجود للأجرام حسى باعتبار ذاتها (والمستعار منه) أى : والذي استعير منه لفظ الطغيان هو (التكبر) والتكبر عبارة عن عد المتكبر نفسه كبيرا ذا رفعة إما مع الإتيان بما يدل عليها أو باعتقادها ولو لم تكن (وهو) بهذا الاعتبار (عقلى) بخلاف ما إذا اعتبرت آثاره (والجامع) بين التكبر وكثرة الماء (الاستعلاء المفرط) أى : الزائد على الحد (وهما) أى : وهذا الطرف الذي هو التكبر والجامع (عقليان) أما عقلية التكبر فظاهرة من تفسيره وأما عقلية الاستعلاء فقيل لأن المراد به طلب العلو وهو عقلى ، وأما لو أريد به العلو فهو حسى في الماء فلا يشترك فيه وفيه نظر ؛ لأن الطلب الحقيقي في الماء فاسد يتعين أن يراد به الذهاب في الارتفاع في الجو وهو حسى بل كونه عقليا من جهة أن المراد به العلو المفرط في الجملة أى : كون الشىء بحيث يعظم في النفوس إما بسبب كثرة كما في الماء وإما بسبب وجود الرفعة
__________________
(١) الحاقة : ١١.