قدر أن لفظ النطق استعير لأنه لا دليل على أنه لا بد أن يستعار لفظ المصدر أولا فالفعل المحقق هو تقدير الاستعارة لجواز أن لا يسمع إطلاق المصدر على غير معناه مجردا عن الفعل فإن قيل الدلالة كما قررت لازمة للنطق فكيف تجعل الدلالة مشبهة بالنطق مع أنه ملزومها إذ لا فائدة في تشبيه الشيء بملزومه ، ولا في إدخال اللازم في جنس الملزوم الذي هو مبني الاستعارة بل إطلاق النطق على الدلالة من إطلاق اسم الملزوم على اللازم مجازا مرسلا فلا يكون من الاستعارة التبعية. قلنا : لا نسلم أن النطق استعمل في لازمه الذي هو الدلالة به بل في دلالة الحال بخصوصها ، ووجه الشبه بينهما متحقق كما تقدم ، وهو اتضاح المعنى بكل منهما وإن كان اتضاحه في النطق بواسطة مطلق الدلالة وفي دلالة الحال بنفس دلالتها فيكون اللفظ استعارة وعلى تقدير تسليم أنه مستعمل في مطلق الدلالة فلا نسلم عدم صحة تشبيه لازم الشيء به عند وجود وجه ملابس لكل منهما يصح به التشبيه فنقول اعتبر التشبيه بين معنى النطق والدلالة في ملابسه الاتضاح لأنه بالنطق أشهر فاستعير اللفظ. وغاية ما في الباب أن لفظ النطق يصح أن يستعمل في الدلالة بطريق التشبيه فيكون الانتقال فيه من الملزوم إلى اللازم بواسطة التشبيه ، وجعل وجه الشبه وسيلة للزوم بين المنتقل عنه وإليه كما تقدم ، فيكون استعارة ، وأن يستعمل فيها برعاية علاقة اللزوم بلا تشبيه ولا جعل وجه الشبيه وسيلة وهو صحيح إذ اللفظ الواحد يجوز أن يكون استعارة ومجازا مرسلا باعتبار علاقتي التشبيه ، ومطلق اللزوم العاري عن التشبيه ، وإذا كان الانتقال باللزوم في كل منهما فلفظ النطق في مطلق الدلالة لكونها لازمة لمدلوله فهو مجاز مرسل ، ويلزم كونه مجازا مرسلا تبعيا في الفعل وما يشتق منه ولو لم يذكروه كما تقدم ، وإن استعمل في الدلالة لكونها تشبيهه في اتضاح المعنى بكل منهما لكون الاتضاح في النطق أشهر كما هو المراد هنا على ما قرر كان استعارة ويلزم كونه استعارة تبعية في المشتقات ، وإذا فهمت ما قررنا اتضح المراد وانكشف الانتقاد والله الموفق بمنه.