المتقدم وهو قوله :
صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله |
وعرى أفراس الصبا ورواحله |
فقد وجه فيه وجهين كما تقدم ، أحدهما : أن يكون شبه الصبا بالجهة المقضى منها الوطر وأضمر التشبيه في النفس استعارة بالكناية فعليه تكون الأفراس والرواحل تخييلا وتكون قرينة للمكنى عنها.
والآخر : أن يكون شبه أسباب استيفاء اللذة أوان الصبا بالأفراس والرواحل فتكون الأفراس والرواحل تحقيقية ، وذكر الصبا على هذا تجريد فهذه محتملة للتحقيقية والتخييلية فتكون قسما خارجا عنهما لا يقال هي داخلة في التحقيقية أو التخييلية ؛ لأنا إذا قلنا : تنقسم الاستعارة التصريحية إلى التحقيقية فمعناه إلى التحقيقية جزما أو احتمالا ، وإلى التخييلية جزما أو احتمالا ؛ لأنا نقول : المتبادر من إطلاق لفظ التحقيق والتخييل ما يكون كذلك جزما لا احتمالا ؛ لأن أصل إطلاق اللفظ وجود معناه وتسميته به جزما وإطلاقه على ما يحتمل أن يوجد فيه معناه فتكون التسمية به احتمالا خلاف المتبادر ، فلهذا عدل إلى ما يقتضى أن ثم قسما آخر وهو قسم الاحتمال رعاية لأصل ما يفيده بالتبادر إطلاق اللفظ إذ لا يفهم خلاف ذلك إلا بقرينة أو تصريح فلو لم يقل ما ذكر فات التنبيه على وجود قسم زائد ، نعم يرد ههنا أن يقال هذا التقسم ، أعني قولنا هذه الاستعارة مجزوم بتحقيقيتها وهذه مجزوم بتخييليتها وهذه محتملة للتخييلية والتحقيقية تقسيم في الأمثلة ؛ لأن المحتملة مثال وبيت والمجزومتان كذلك وليس كلامنا في تقسيم الأمثلة إلى ما يجزم فيه بأن استعارته تحقيقية وإلى ما يجزم بأنها تخييلية وإلى ما يحتمل كلا منهما وإنما كلامنا في تنويع نفس الاستعارة التصريحية وهي منحصرة في نوعي التخييل والتحقيق والمثال المحتمل غير خارج عن النوعين فافهم.
ومما ينظر فيه هنا اجتماع التصريحية والمكنى عنها في مثال واحد هل يمكن باعتبارين كما صح وجود التخييلية والتحقيقية باعتبارين قيل : إنه موجود في مثال واحد